شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٤٣
(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» (1) وهذه الفضيلة فضيلة شريفة من فضائل الأخلاق لا يتصف بها إلا من امتحن الله قلبه بالتقوى وطهره من الكبر والرين ونزهه من الحقد والغين ويندرج تحتها كثير من المكارم مثل خفض الجناح ولين الجانب والرفق في الأقوال والأفعال وعدم الغلظة والجفاوة في جميع الأحوال وبسط الوجه وطلاقته من غير تقطير وتقطيب وعبوس والمواساة بينهم في جليل الأمور وحقيرها وقليلها وكثيرها بقدر الامكان فأن جميع ذلك من توابع الشفقة والرحمة ولوازمها، ولها منافع غير محصورة ويكفى في هذا المقام قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «من لأن جانبه كثر أعوانه» (2) وقوله: «من رفع عن الناس يدا واحدة رفعت عنه أيد كثيرة» (3) ثم إن التعاطف والتواصل من حقوق العشرة والصحبة إذا كانا في جانب الدين وإلا فهجرة أهل الأهواء والبدع دائمية على مر الأوقات ما لم يظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق ولذلك لما خاف (صلى الله عليه وآله) على كعب بن مالك وأصحابه النفاق لتخلفهم عن غزوة تبوك أمر بهجرانهم خمسين يوما.
(والقنوع وضده الحرص) القنوع بالضم هنا مصدر بمعنى القناعة بالكسر وهي الرضى باليسير من متاع الدنيا والاقتصار على قدر الكفاف بل على ما دونه لو تعزز عليه وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «قلت: يا جبرئيل ما تفسير القناعة؟ قال: يقنع بما يصيب من الدنيا يقنع بالقليل ويشكر باليسير» (4) وفسرها المحقق الطوسي بعد ما عدها من الأنواع المندرجة تحت العفة الحاصلة من الاعتدال في القوة الشهوية بأنها رضاء النفس في المآكل والمشارب والملابس وغيرها بما يسد الخلل من أي جنس اتفق وقد وقع الحث عليها في القرآن والسنة ويكفي في ذلك قوله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله) (ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم) وقوله تعالى: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا) وقول الباقر والصادق (عليهما السلام): «من قنع بما رزقه الله فهو أغنى الناس» (5) وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) «القناعة مال لا ينفد ولا يفنى» (6) ومن طرق العامة «القناعة كنز لا ينفد» (7) يعني بذلك أن الإنفاق منها لا ينقطع كلما تعزز عليه شئ من أمور الدنيا قنع بما دونه ورضي وقوله (عليه السلام): «كفى

١ - أخرجه البخاري ج ٨ ص ٢٣ وفي الكافي باب الهجرة نحوه.
٢ - ما عثرت على لفظه وفي خطبة له (عليه السلام) تحت رقم ٢٣ نحوه.
٣ - النهج من كتابه له (عليه السلام) إلى ابنه الحسن (عليه السلام) تحت رقم ٣١.
٤ - راجع سفينة البحار ج ٢ ص ٤٥٢.
٥ - الكافي كتاب الايمان والكفر باب القناعة تحت رقم ٩.
٦ - النهج أبواب الحكم تحت رقم ٥٧ و ٤٧٥.
٧ - أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث جابر كما في مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٢٥٦. والقضاعي في مسند الشهاب من حديث أنس بسند ضعيف كما في الجامع الصغير.
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»
الفهرست