(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا) وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث» (1) وهذه الفضيلة فضيلة شريفة من فضائل الأخلاق لا يتصف بها إلا من امتحن الله قلبه بالتقوى وطهره من الكبر والرين ونزهه من الحقد والغين ويندرج تحتها كثير من المكارم مثل خفض الجناح ولين الجانب والرفق في الأقوال والأفعال وعدم الغلظة والجفاوة في جميع الأحوال وبسط الوجه وطلاقته من غير تقطير وتقطيب وعبوس والمواساة بينهم في جليل الأمور وحقيرها وقليلها وكثيرها بقدر الامكان فأن جميع ذلك من توابع الشفقة والرحمة ولوازمها، ولها منافع غير محصورة ويكفى في هذا المقام قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «من لأن جانبه كثر أعوانه» (2) وقوله: «من رفع عن الناس يدا واحدة رفعت عنه أيد كثيرة» (3) ثم إن التعاطف والتواصل من حقوق العشرة والصحبة إذا كانا في جانب الدين وإلا فهجرة أهل الأهواء والبدع دائمية على مر الأوقات ما لم يظهر منهم التوبة والرجوع إلى الحق ولذلك لما خاف (صلى الله عليه وآله) على كعب بن مالك وأصحابه النفاق لتخلفهم عن غزوة تبوك أمر بهجرانهم خمسين يوما.
(والقنوع وضده الحرص) القنوع بالضم هنا مصدر بمعنى القناعة بالكسر وهي الرضى باليسير من متاع الدنيا والاقتصار على قدر الكفاف بل على ما دونه لو تعزز عليه وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «قلت: يا جبرئيل ما تفسير القناعة؟ قال: يقنع بما يصيب من الدنيا يقنع بالقليل ويشكر باليسير» (4) وفسرها المحقق الطوسي بعد ما عدها من الأنواع المندرجة تحت العفة الحاصلة من الاعتدال في القوة الشهوية بأنها رضاء النفس في المآكل والمشارب والملابس وغيرها بما يسد الخلل من أي جنس اتفق وقد وقع الحث عليها في القرآن والسنة ويكفي في ذلك قوله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله) (ولا تعجبك أموالهم ولا أولادهم) وقوله تعالى: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا) وقول الباقر والصادق (عليهما السلام): «من قنع بما رزقه الله فهو أغنى الناس» (5) وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) «القناعة مال لا ينفد ولا يفنى» (6) ومن طرق العامة «القناعة كنز لا ينفد» (7) يعني بذلك أن الإنفاق منها لا ينقطع كلما تعزز عليه شئ من أمور الدنيا قنع بما دونه ورضي وقوله (عليه السلام): «كفى