شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٣٧
غير ذلك من أنحاء المؤاخذة وضد التؤدة التسرع بالسين المهملة في النسخ التي رأيناها، وقال سيد الحكماء عضدها التترع بتائين مثناتين من فوق وتشديد الراء قال في الصحاح: تترع إليه بالشر أي تسرع وهو رجل ترع أي سريع إلى الشر والغضب انتهى. والتسرع - يعني العجلة في الأمور وعدم التأني في الأخذ - من فروع التهور الذي في جانب الإفراط من القوة الغضبية ومنشؤه الجهل بحسن السياسة وخفة النفس المقتضية لحركتها واضطرابها بأدنى سبب.
(والحلم وضده السفه) الحلم هيئة حاصلة للنفس من اعتدال القوة الغضبية المسماة بالنفس السبعية التي من شأنها الاقدام على الأهوال وشوق التسلط والترفع والغلبة على الأقران، واعتدال تلك القوة إنما يحصل بانقيادها للعقل فيما عده حظا ونصيبا لها، وعدم تجاوزها عن حكمه، ويعتبر في حصول تلك الهيئة عدم انفعال النفس عن الواردات المكروهة المؤذية هذا في حق الإنسان وأما في حق الله سبحانه فالحلم عبارة عن عدم انفعاله عن مخالفة عبيده لأوامره ونواهيه وعدم استفزاز الغضب له عند مشاهدة المنكرات. وعدم حمل قدرته الكاملة له على المسارعة إلى الانتقام والفرق بينه تعالى وبين العبد في هذا الوصف إن سلب الانفعال عنه تعالى سلب مطلق وسلبه عن العبد سلب عما من شأنه أن يكون له ذلك الانفعال ويكون عدم الانفعال عنه تعالى أتم وأبلغ من عدمه عن العبد وبذلك الاعتبار يكون حلمه أعظم، ثم للحلم آثار غير محصورة منها كبر النفس ويعرف ذلك بتحملها للأمور الغير الملايمة لها، ومنها نجدتها ويعرف ذلك بعدم صدور حركات غير منظمة منها، ومنها علو همتها ويعرف ذلك بعدم جزعها عند الأمور الهائلة حتى لا يبالي من أهوال الموت وشدايده، ومنها سكونها ويعرف ذلك بعدم طيشها في المؤاخذة، ومنها تواضعها ويعرف ذلك بالتخشع والتذلل للغير وعدم إظهار مزيتها عليه، ومنها حميتها ويعرف ذلك بعدم تهاونها في محافظة ما يجب حفظه شرعا وعقلا، ومنها رقتها ويعرف ذلك بظهور تألمها عند تألم أحد من المؤمنين وكذا له منافع غير معدودة في الدنيا والآخرة أما في الآخرة فيكفي في الدلالة ما روي «أن الرجل ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم» (1) وأما في الدنيا فيكفي قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «الحلم عشيرة» (2) يعني أن الرجل كما يتمتع بالعشيرة يتمتع بالحلم ويتوقر لأجله، ومن ثم قيل الحلم اكتساب المدح من الملوك والثناء من المملوك. والسفه الذي ضده وطرف الافراط من القوة المذكورة عبارة عن خفة النفس وحركتها إلى ما لا يليق من الأمور التي يقتضيها طغيان تلك القوة مثل الضرب والقتل والشتم والبطش والترفع والتسلط والغلبة والظلم ومفاسده كثيرة وقد يطلق السفه على الجهل وسخافة رأي ونقصان عقل منه قوله تعالى

1 - رواه ابن حبان في كتاب الثواب.
2 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 418.
(٢٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»
الفهرست