به والغنى بهذه المعاني من جنود العقل وأعوانه إذ به يترقى العقل من حضيض المذلة إلى أوج الكمال في الإنسان كما أن الفقر الذي هو ضده من جنود الجهل وأنصاره إذ به يستولى الجهل على ممالك القلب بالجور والطغيان.
(والتذكر وضده السهو) التذكر من أنواع العلم وفروع الاعتدال في القوة العاقلة والسهو من أنواع الجهل المقابل للعلم وفروع الانحراف في هذه القوة وهذه الفقرة أيضا يحتمل وجوها: الأول أن يكون المراد بالتذكر تذكر أحوال القيامة وعقباتها وشدائدها فإن من تذكرها ورآها بعين البصيرة يسعى في مرضات الرب ويأخذ عنان الطبيعة عن يد النفس الأمارة ويعد لنفسه ما ينجيه من الهلاك الأبدي. الثاني: تذكر الموت وسكراته وما يتبعه من أحوال البرزخ وكيفية النجاة وأسبابها. الثالث:
تذكر الصور المخزونة في القوة الحافظة بعد زوالها عن القوة المدركة واستحضارها ثانيا. الرابع: الصور العقلية المخزونة في المبادي العالية بإقبال النفس إليها وارتباطها بها. الخامس: تذكر حالاته من بدء الوجود إلى كمال نشوئه وكيفية انتقاله من حال إلى حال وارتحاله من طور إلى طور وانقلابه من وضع إلى وضع على ما يقتضيه القدرة القاهرة. والسهو مقابل للتذكر بهذه المعاني وكون التذكر من جنود العقل والسهو من جنود الجهل ظاهر لأن التذكر من نوع من العلم والسهو نوع من الجهل فالأول يعين العقل في السير إلى الله، والثاني يعين الجهل في الميل إلى الضلالة.
(والحفظ وضده النسيان) الحفظ أيضا من أنواع العلم والنسيان من أنواع الجهل المقابل للعلم، ولعل المراد بالأول حفظ الميثاق الذي أخذه الله تعالى من العباد حين كونهم في صورة الذر أو حفظ ما يجب حفظه مطلقا أو حفظ صور الحسية في خزانتها أو حفظ الصور العقلية بأن يحصل للذهن ملكة يشاهد بها تلك الصور من المبادي العالية من غير حاجة إلى تجشم كسب، والنسيان عبارة عن نبذ الميثاق والغفلة عنه بالمرة أو عن زوال صور ما وجب حفظه عن القوة المدركة أو زوال الصور الحسية عن الخزانة والقوة المدركة جميعا أو عن زوال الصورة العقلية بفقد ملكة المشاهدة.
(والتعطف وضده القطيعة) العطف الميل ومنه عطفت عليه بمعنى أشفقت عليه ورحمته لأن في الإشفاق والرحمة ميلا وانعطافا إلى المرحوم، والعطاف الرداء وتعطفت بالعطاف أي ارتديته والمتعطف بأحد كأنه ضمه إلى نفسه بمنزلة الرداء، والقطيعة مصدر يقال: قطع رحمه قطعا وقطيعة فهو قطع كصرد وهمزة هجرها وعقها وبينهما رحم قطعها إذا لم توصل، والتعطف من أنواع العدالة وضده من أنواع الظلم وعليكم أيها الاخوان أن تكونوا إخوانا متعاطفين متباذلين متواصلين متآلفين بالنسبة إلى كل أحد من المسلمين وأن لا تفرقوا بين الغني والفقير والقوي والضعيف والكبير والصغير وقد صدر الترغيب فيه من القرآن والسنة قال الله تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) وقال: