شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٤١
يضره ولا يؤدي إلى جرأة الخصم وإلا فالانتقام بالقدر الجائز أحسن وعلى هذا يحمل قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «الشر يدفعه الشر» (1)، وقوله: «ردوا الحجر من حيث جاء» (2).
(والغنى وضده الفقر) في القاموس الغنى كإلى ضد الفقر وإذا فتح مد والاسم الغنية بالضم والكسر والغنوة والغنيان مضمومتين، والغناء ككساء من الصوت ما طرب به وكسماء رمل، وهذه الفقرة يحتمل وجوها الأول الغنى والفقر الاخرويان وهو الذي أشار إليه (صلى الله عليه وآله) بقوله: «أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع؟ فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار» (3) وهذا حقيقة الفقر، والإفلاس وأما من ليس له مال ومن قل ماله فالناس يسمونه فقيرا ومفلسا وليس هو حقيقة الفقير والمفلس لأن هذا أمر يزول وينقطع بموته وربما ينقطع بغنى ويسار يحصل له بعذ ذلك في حياته، بخلاف ذلك الفقير المفلس فإنه يهلك بالهلاك الأبدي وأشار إليه سيد الوصيين بقوله: «الغنى والفقر بعد العرض على الله سبحانه» (4) الثاني غنى القلب بالأخلاق وفقره بعدمها وهذا قريب من قوله (عليه السلام):
ليس البلية في أيامنا عجبا * إن السلامة فيها أعجب العجب ليس الجمال بأثواب تزينها * إن الجمال جمال العلم والأدب ليس اليتيم الذي قد مات والده * إن اليتيم يتيم العقل والحسب الثالث إظهار الغنى مع كمال المسكنة ورياضة النفس والقناعة بما قضى له والرضا بالموجود والصبر على المفقود والاعراض عن الدنيا والعقب والاقبال على المولى وقطع الآمال وترك القيل والقال كما يرشد إليه قوله تعالى: (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافا) وإظهار الفقر والطمع مما في أيدي الناس وهذا قريب من قوله (صلى الله عليه وآله) حين قيل له: ما الغنى؟ قال: «اليأس مما في أيدي الناس» (5) ومن قول بعض الأكابر:
عليك باليأس من الناس * إن غنى نفسك في اليأس الرابع الغنى بالحق جل شأنه عما سواه من الأسباب والوسائل والفقر التمسك بما سواه والاستعانة

1 - و (3) تقدما سابقا.
3 - روى نحوه مسلم واحمد في مسنده ج 2 ص 303 وغيره من حديث أبي هريرة راجع الترغيب والترهيب للمنذري ج 4 ص 405.
4 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 452.
5 - أخرجه أبو نعيم في الحلية والقضاعي في مسند الشهاب عن ابن مسعود.
(٢٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 ... » »»
الفهرست