شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٣٥
الأولين والآخرين: (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) وقوله تعالى: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين) وقول النبي (صلى الله عليه وآله):
«إن التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرفعكم الله» (1) وأما حقيقة الكبر فهي هيئة نفسانية تنشأ من تصور الإنسان نفسه أكمل من غيره وأعلى رتبة منه، وتلك الهيئة تعود إلى ما يحصل للنفس من ذلك تصور، من النفخ والهزة والتعزز والتعظم والركون إلى ما يتصوره من كمالها وشرفها على الغير ولذلك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) «أعوذ بك من نفخة الكبر» (2) وهي رذيلة تحت الفجور تقابل التواضع وإن تصور الإنسان فضيلته على الغير مع قطع النظر عن قياس نفسه إلى متكبر عليه وعن إضافة تلك الفضيلة إلى الله تعالى باعتبار أنها منه ولم يكن خايفا من زوالها بل كان ساكنا إليها مطمئنا فذلك هو العجب فإذن العجب هيئة نفسانية تنشؤ عن تصور الإنسان فضله واستقطاعه عن المنعم به والركون إليه والفرح به مع الغفلة عن قياس نفسه إلى الغير بكونه أفضل منه، وبهذا القيد يمتاز عن الكبر إذ لابد في الكبر أن يرى الإنسان لنفسه مرتبة وللغير مرتبة ثم يرى مرتبته فوق مرتبة غيره وإن تصور فضيلته على الغير وأضافها إلى الله سبحانه باعتبار أنها منه فهو نوع من الحمد كما يدل عليه قوله تعالى (ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين) وأما أسباب الكبر فهي أضداد أسباب التواضع أعني عدم العلم بعظمة الله تعالى وجلاله وكبريائه وقهره على جميع الممكنات، وعدم معرفة نفسه وشدة احتياجه وافتقاره إليه سبحانه في جميع الأحوال، ولست أعني بعدم العلم بهذه الأمور عدم تصورها والغفلة عنها بالمرة فإن كثيرا من الجبابرة والمتكبرين ينسبون أنفسهم إلى العلم بها، بل أعني عدم استقراره وتمكنه في قلوبهم وعدم لصوقه بها كعدم لصوق الماء بريش الأوز والبط.
وأما لوازمه وآفاته وثمراته من الأعمال والتروك فهي أيضا كثيرة جدا فإن هذا الخلق الاجاج إذا نبع في القلب وجرى في الأعضاء والجوارح ينبت منها أعمال ردية وتروك مردية.
أما الأعمال فمنها باطنة كتحقير الغير وازدرائه واعتقاد أنه لا يصلح للمجالسة والمجانسة والمؤانسة والمؤاكلة واعتقاد أنه ينبغي أن يكون ماثلا بين يديه أو ماشيا من خلفه إلى غير ذلك من العقائد الفاسدة الموجبة لاستخفاف الغير، ومنها ظاهرة كالتقدم عليه في الطرق والارتفاع عليه في

1 - الكافي كتاب الايمان والكفر باب التواضع تحت رقم 1.
2 - ما عثرت على أصل له الاعلى ما أخرجه ابن ماجة في كتاب (إقامة الصلاة باب الاستعاذة في الصلاة) رقم 807 في حديث: «اللهم اني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه» وقال عمرو: همزه الموتة; ونفثه الشعر، ونفخه الكبر، انتهى، والموتة نوع من الجنون والصرع يعتري الإنسان، فإذا أفاق عاد إليه كمال العقل كالسكران.
(٢٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 230 231 232 233 234 235 236 237 238 239 240 ... » »»
الفهرست