شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٣٩
والفرق بينه وبين الكبر أن الكبر كما ذكرناه هيئة نفسانية ناشية من تصور الإنسان نفسه أكمل وأشرف من غيره، والاستكبار عبارة عن إظهار تلك الهيئة فهو كبر مع زيادة كما يدل عليه زيادة البناء.
(والتسليم وضده الشك) التسليم بذل الرضا بقبول قول الله تعالى وفعله وقول الرسول وأوصيائه وأفعالهم (عليهم السلام) وتلقيها بالبشر وطلاقة الوجه وإن لم يكن موافقا للطبع ولم يعلم وجه المصلحة وهو من فروع العدالة وعلامة الإيمان قال الصادق (عليه السلام): لو أن قوما عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة وآتوا الزكوة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان.
ثم قالوا لشئ صنعه الله أو صنعه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ألا صنع خلاف الذي صنع أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين (1) ثم تلا هذه الآية: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (2) والشك هو عدم قبول ما ذكر وسماه شكا لأنه من آثار الشك في الله وصفاته وفي الرسول وأوصيائه وأقوالهم وأفعالهم، وقيل: المراد بالتسليم هنا الإذعان والتصديق القلبي وفيه أن التسليم بهذا المعنى هو العلم وقد مر ذكره سابقا وعلى ما ذكرنا لا قصور فيه أصلا لأن هنا ثلاثة أشياء مترتبة الأول العلم بصدق قول الله وقول الرسول، الثاني ما ينشؤ من هذا العلم وهو الرضا بقولهما، الثالث ما ينشؤ من الرضا وهو قبول قولهما.
(والصبر وضده الجزع) الإنسان ما دام في هذه النشأة كان موردا للمصايب والآفات ومحلا للنوائب والعاهات ومكلفا بفعل الطاعات وترك المنهيات والمشتهيات وكل ذلك ثقيل على النفس بشع في مذاقها وهي تتنفر منه نفارا وتتباعد منه فرارا فلا بد من أن يكون فيه قوة ثابتة وملكة راسخة بها يقدر على حبس النفس على هذه الأمور الشاقة والوقوف معها بحسن الأدب وعدم الاعتراض على المقدر بإظهار الشكوى وتلك القوة أو ما يترتب عليها أعني حبس النفس على تلك الأمور ومقاومتها لهواها هي المسماة بالصبر وهو نوع من أنواع العفة وباب من أبواب الجنة ومقام عال من

1 - فإن من يعتقد عصمة الرسول (صلى الله عليه وآله) من الخطأ والغلط لا يشك في صحة أفعاله وأقواله ولا يرجح فعلا آخر على فعله ولا قولا على قوله وأما إن لم يعتقد عصمته عن الخطأ فلا يبعد أن يرجح فعل غيره على فعله، وإنكار العصمة مساوق لإنكار النبوة وإنكار النبوة شعبة من الشرك. فإن قيل فكيف عبدوا الله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة مع عدم اعتقادهم عصمة الرسول (صلى الله عليه وآله) عن الخطأ في فهم الوحي وتبليغه والالتزام بأن النبي لا يخطئ في شئ ويخطىء في آخر بشيع فظيع قلنا بعض الناس لغلبة الأوهام على عقولهم يعتقدون شيئا وينكرون لوازمه بل ينكرون عين ذلك الشئ إذا اتى به بلفظ آخر كما قيل لبعض الخلفاء: يموت جميع أقربائك فساءه، فقيل عمرك أطول منهم فسره. ويقال لأهل الظاهر: سمع الله وبصره بمعنى علمه بالمبصرات والمسموعات كعلمه بالمذوقات والمشمومات فيقبلون ويستحسنون وإن قيل لهم لا علم له تعالى بالجزئيات إلا بوجه كلي فيستنكرون وكلاهما بمعنى واحد وكلاهما غير صحيح (ش).
2 - الكافي كتاب الايمان والكفر باب الشرك تحت رقم 6.
(٢٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 234 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 ... » »»
الفهرست