شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٣٢
الحق فيورث القرب منه كما ورد في الخبر «إذا اقشعر جسد العبد من خشية الله تعالى تتحات عنه ذنوبه كما يتحات من الشجرة ورقها» (1) ومن البين أن ذلك يوجب القرب منه وأما الخوف من الخلق فيورث البعد عنهم كما ورد في الخبر «خالط الناس تخبرهم ومتى تخبرهم تقلهم» ومن البين أن من يخاف لصا أو سبعا يفر منه، وأما الخوف من النفس فيورث تهذيبها لأن العبد إذا خاف منها يحارسها في جميع حركاتها وسكناتها فيدفع عنها سنان مكرها وسيف مخادعتها، وذلك يوجب تهذيب الظاهر والباطن.
ومن ثم قال بعض أهل العرفان: الخوف نار تحرق الوساوس والهواجس في القلب والظاهر المتبادر هنا هو الخوف من الله تعالى وهو قد يكون لأمور مكروهة لذاتها وقد يكون لأمور مكروهة لإدائها إلى ما هو مكروه لذاته، والثاني له أقسام كثيرة كخوف الموت قبل التوبة أو خوف نقض التوبة أو خوف عدم قبولها، أو خوف الانحراف عن الفضل في عبادة الله تعالى أو خوف ابتلاء القوة الغضبية أو القوة الشهوية بحسب مجرى العادة في ارتكاب الانتقام واستعمال الشهوات المألوفة أو خوف سوء الخاتمة أو خوف الشقاوة في العلم الأزلي وأعلى هذه الأقسام بحسب الرتبة عند الخائفين خوف الخاتمة فإن الأمر فيها خطير بل أعلاها وأدلها على كمال المعرفة خوف الشقاوة السابقة في العلم الأزلي لكون الخاتمة تابعة لها ومظهرة لما سبق في اللوح المحفوظ وقد مثل من له خوف السابقة ومن له خوف الخاتمة برجلين وقع لهما ملك بتوقيع يحتمل أن يكون لهما فيه عناء أو هلاك فيتعلق قلب أحدهما بحال نشر التوقيع وما يظهر فيه من خير أو شر ويتعلق قلب الآخر بما حضر للملك حال التوقيع وما ظهر له من رحمة أو غضب وهذا التفات إلى السبب فكان أولى وأعلى فكذلك الالتفات إلى القضاء الأزلي الذي جرى بتوقيعه القلم الأزلي في اللوح المحفوظ أعلى من الالتفات إلى الأبد وإليه يشير ما في الحديث «السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه» (2) ومن طرق العامة «السعيد من سعد بقضاء الله والشقي من شقي بقضاء الله» (3) وكذا للأول أقسام كثيرة كالخوف من سكرات الموت وشدايده أو من سؤال منكر ونكير أو من عذاب القبر أو من أهوال الموقف بين يدي الله عز وجل أو من كشف الستر أو من السؤال عن النقير والقطمير أو من الصراط وحدته وكيفية العبور عليه أو من النار وأغلالها وسلاسلها أو من حرمان الجنة أو من نقصان

1 - أخرجه الطبراني من حديث العباس بن عبد المطلب بسند ضعيف كما في الجامع الصغير.
2 - رواه الصدوق في كتاب التوحيد.
3 - ويجب أن يكون ذلك بحيث لا يوجب الجبر فإن ذلك يوجب اليأس واليأس يجريء على المعصية (ش) والخبر رواه الطبراني في مسنده الصغير بسند صحيح عن أبي هريرة.
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»
الفهرست