شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٠٧
كدرة المواد الظلمانية ولذلك إذا عرى عن العوائق وانقطع عن العلائق اتصل بالخلق اتصالا تاما، ومن ثم قيل: لا مسافة في العالم الروحاني، ويحتمل أن يراد بالنور العدل وإطلاق النور على العدل سايغ شايع كما صرح به القاضي وغيره في تفسيره قوله تعالى (وأشرقت الأرض بنور ربها) والمعنى أن الله سبحانه خلق العقل خلقا ناشيا من عدله إذ لولا العقل لبطل الغرض من إيجاد الإنسان فعدله اقتضى خلق هذا النوع من المخلوق لئلا يفوت الغرض (فقال له: أدبر) عن المنهيات أو أنزل إلى عالم السفلى والمنازل الجسمية التي هي في غاية البعد عن العوالم الربوبية (فأدبر) وأطاع أمره عز شأنه وانقاد لحكمه من غير أن يفارق نوريته وتجرده وإنما كان إدباره بمجرد إشراقات نوره في العالم الجسماني.
(ثم قال له: أقبل) إلى الطاعات وما يوجب النزول في ساحة كرامته تعالى من القربات أو أقبل من مكامن المواد الجسمية ومنازل الظلمات البشرية ومظاهر الجهالات الطبيعية إلى عالم المجردات النورية ومنازل الشواهد الربوبية (فأقبل) مطيعا لأمره منقادا لحكمه تاركا لمعصيته متدرجا في الصعود من طور إلى طور حتى صار عقلا فعالا وترقى حتى مرتبة عين اليقين وهناك رجع إلى ما نزل منه وانتهى إلى ما بدأ منه وقد مر مثل هذا الحديث وشرحه في صدر كتاب العقل إلا أن بينهما مغايرة في الجملة لأن الأمر بالاقبال في السابق مقدم على الأمر بالادبار، وهنا بالعكس فإن كانت القضية في الخطاب متعددة فالأمر واضح وإلا ففيه إشكال اللهم إلا أن يقال: كان في الواقع أمر الاقبال ثم أمر بالادبار ثم أمر بالاقبال ففي الحديث السابق لم يذكر الأمر بالاقبال بعد الأمر بالادبار وفي هذا الحديث لم يذكر الأمر بالاقبال قبل الأمر بالادبار ومن مجموعهما يستفاد ما كان في الواقع فليتأمل (فقال الله تعالى) تعظيما وتكريما له وحثا له على أداء شكر هذه النعمة الجليلة.
(خلقتك خلقا عظيما) العظيم الحقيقي ليس إلا الله سبحانه وأما غيره فعظمته باعتبار قربه منه وإطاعته لأمره وقد تحقق هذان الوجهان في العقل (وكرمتك) أي شرفتك وفضلتك ومنه (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (على جميع خلقي) فيه أن العظمة والشرافة والفضيلة من باب التفضل منه تعالى من غير اشتراط القابلية والاستعداد وإن العقل أشرف من الملائكة المقربين (قال ثم خلق الجهل) ليس المراد بالجهل هنا الجهل المركب أعني الصور العلمية الغير المطابقة للواقع ولا الجهل البسيط أعني عدم العلم عما من شأنه العلم لأن إطاعته وعصيانه غير متصورة فلا يلائم قوله: (فإن عصيت بعد ذلك أخرجتك وجندك من رحمتي) ولأن الجهل بهذيبن المعنيين من جنود الجهل
(٢٠٧)
مفاتيح البحث: الجهل (3)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»
الفهرست