شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٠٢
والإيجاد، ويؤيده قوله (صلى الله عليه وآله) «أول ما خلق الله العقل» وإن كان بيانا لخلق أو صفة أو حالا عنه أفاد أنه أول خلق بالنسبة إلى الروحانيين وأما أنه أول خلق بالنسبة إلى غيره من الممكنات كلها فلا إلا إذا ثبت تقدم الروحانيين على سائر الممكنات في الايجاد وثبوت ذلك خارج عن مفاد هذا الكلام، فما قيل: من أن فيه دلالة على أن العقل هو المبدع الأول بالحقيقة وعلى الاطلاق دون غيره من الممكنات لأنها بتوسطه فمدفوع أما أولا فلأنه لا دلالة فيه على تقدم العقل على غيره على الاطلاق إلا في بعض الاحتمال الذي هو أبعد الاحتمالات فلا يتم بذلك ما ادعاه، وأما ثانيا فلأنه لا دلالة فيه على أن غير العقل من الممكنات صدر منه تعالى بتوسط العقل وهو ظاهر بل لا يبعد القول ببطلان ظاهر هذا الحكم لأن بناء ظاهره (1) على تخليط الفلاسفة وهو أن أرسطو ومن تابعه من فلاسفة الإسلام كالفارابي وابن سينا قالوا: إن الباري تعالى من حيث إنه واجب الوجود يجب أن يكون واحدا ومن حيث إنه واحد يجب أن لا يخلق إلا واحدا إذ لو خلق اثنين لكان ذلك باعتبار أمرين مختلفين في ذاته وتلك كثرة تنافي ما وجب له من الوحدة وذلك الواحد الصادر هو العقل ثم صدر عن ذلك العقل أربعة جواهر عقل ونفس وفلك مركب من جوهرين مادة وصورة، ثم صدر عن العقل الثاني أربعة جواهر أيضا، ثم هكذا على الترتيب إلى أن كملت عشرة عقول وتسع أنفس وتسعة أفلاك، ثم تحركت الأفلاك فحدثت العناصر الأربعة التي هي الماء والهواء والنار والتراب، ثم تمازجت هذه العناصر فحدث العالم السفلى وهو ما تحت الفلك القمر عالم الكون والفساد وسموه بذلك لأن الأجسام العلوية أعني الأفلاك العرية عن العناصر تركبت من العناصر الأربعة تركيبا يقبل الانحلال فسموا ذلك التركيب والانحلال كونا وفسادا ثم تركبت الموجودات

1 - قال ببطلان ظاهر هذا الحكم لا حقيقته لأن الذي يتبادر إلى ذهن أكثر الناس من أمثال هذه العبارات التفويض أي تفويض الله تعالى أمر الخلق إلى العقل الأول نظير تفويض المولى تدبير ملكه إلى بعض خدامه وهذا باطل جدا، وليس مراد من قال به ذلك قطعا وليس توسط العقل إلا كتوسط الأسباب كما يشفي الله المريض بالدواء ويرسل الرياح فتثير السحاب بها ويمطر من السحاب فيحيي به أرضا ميتة ومثله الملائكة الموكلون على كل شئ في العالم بل ليس المراد من العقل إلا الملائكة ولكل اصطلاح فظاهر الحكم وهو التفويض باطل وحقيقته صحيحة.
ويجوز أن يقال في العقل بنظير ما يقال في ساير الأسباب (ش).
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»
الفهرست