شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢٠٨
المذكور هنا وجند الشئ غيره، ولأن الجهل بالمعنى الثاني أمر عدمي والاعدام غير مخلوقة سواء كانت سلوبا محضة أو ملكات بل المراد به مبدء الشرور والمقابح كما أن المراد بالعقل مبدء الخيرات والمحاسن ويمكن أن يراد بهذين المبدأين صفة النفس المسماة بالقوة الجاهلة وصفتها المسماة بالقوة العاقلة وأن يراد بهما ذات النفس أي الجوهر المجرد المدبر للبدن المحتاج في فعله وتصرفه إليه وذات الجوهر المستغني عن البدن في وجوده وفعله (1) الذي إذا حصل لغيره وأشرق نوره فيه كان ذلك الغير عاقلا به إذا لم يحصل له وقام بذاته كان عقلا ومعقولا وتسمية النفس بالجهل من باب المجاز لأنها محل للجهل المركب والبسيط، بل يمكن أن يقال: إنها من باب الحقيقة لأن النفس وإن كانت مبدءا للجهالات ومنشأ للشرور كلها ومصدرا للصور الوهمية الكاذبة الباطلة ومقتضيات القوى الشهوية والغضبية والبهيمية وسائر القوى البدنية لكن إذا تمكنت فيها هذه الأباطيل ورسخت فيها صارت جهلا محضا وشيطانا صرفا بعيدا عن الحق جل شأنه وكلما ازداد التمكن والرسوخ ازدادت جهالتها وشيطنتها واحتجابها عن الحق حتى بلغت النهاية في الجهالة والغاية في الضلالة وصارت قدوة المترددين وإمام المتكبرين (2).
(من البحر الأجاج ظلمانيا) ماء اجاج أي ملح مر و «ظلمانيا» حال عن الجهل أو عن البحر الاجاج والمراد به الغضب (3) الإلهي لأنه مر كريه الطعم والرايحة على مذاق الشاربين ومشام العارفين أو المراد به مجموع الصفات النفسانية التي بعضها حسن وبعضها قبيح لتخمير النفس بها وهذا المجموع من حيث هو بمنزله ماء كدر مر ممتزج بغبار الملكات الدنية ومرارة الصفات الشنيعة وملوحة قبايح الآثار وخشونة فضايح الأطوار وعبر عنه بالبحر للدلالة على تراكم تلك الصفات

1 - ذات الجوهر المستغني عن البدن عبارة عن العقل المفارق الذي يقول به الحكماء وأنه الموجود الأول وهو مستغن عن البدن في ذاته وفعله وهو الذي يشرق نوره على النفوس فتصير عاقلة بإشراقه وإذا نظر إليه من حيث هو كان جوهرا قائما بذاته وكان عقلا ومعقولا وهذا مبدء الخيرات وأما مبدء الشرور فهو النفس أي الجوهر المجرد المدبر للبدن المستغني عن البدن ذاتا والمحتاج إليه في أفعاله ومثل أمير المؤمنين (عليه السلام) إشراق العقل على النفوس وتسلطه عليها واتصالها به حديث رواه الصدوق في علل الشرايع عنه (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال خلقه ملك له رؤس بعدد الخلائق من خلق ومن يخلق إلى يوم القيامة ولكل رأس وجه ولكل آدمي رأس من رؤس العقل واسم ذلك الإنسان على وجه ذلك الرأس مكتوب وعلى كل وجه ستر ملقى لا يكشف ذلك الستر من ذلك الوجه حتى يولد هذا المولود ويبلغ حد الرجال أو حد النساء فإذا بلغ كشف ذلك الستر فيقع في قلب هذا الإنسان نور فيفهم الفريضة والسنة والجيد والردي إلا ومثل العقل في القلب كمثل السراج في وسط البيت انتهى (ش).
2 - ولعله لا يريد أن الشيطان بعينه هو النفوس الراسخة في الضلالة والشرور بل يريد أنها مثله في صفاته الخبيثة. (ش) 3 - لا مناص عن الاستعارة والتمثيل في هذه العبارات وكلما كان العالم ظاهريا حاملا للألفاظ على المعاني الجسمانية لم يمكنه في هذا الحديث كما لا يمكن في مثل يد الله وعين الله. (ش)
(٢٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 213 ... » »»
الفهرست