وأوفر، لأن خزائن رحمته غير متناهية.
(والعدل وضده الجور) وهي الملكة الحاصلة من التحلي بالأوساط الفاصلة في باب العقائد كالتوحيد بين التعطيل والتشبيه والتعويل على الأمر المتوسط بين الجبر والتفويض، وفي باب الأعمال كأداء الواجبات والسنن بين الكسالة والترهب التام والاعطاء المتوسط بين القبض بالكلية والبسط التام، وفي باب الأخلاق كالحكمة بين السفاهة والبلاهة في القوة العقلية، والشجاعة بين التهور والجبن في القوة الغضبية، والعفة بين الشره وخمود الشهوة في القوة الشهوية وإذا حصلت هذه الأوساط وصارت ملكات حصلت حالة أخرى متشابهة من تمازجها واختلاطها وهي المسماة بالعدل (1)، وكما أن كل واحدة من تلك الأوساط محيطة بأنواع متكثرة من الفضائل إحاطة الجنس بأنواعها ومحاطة بجنسين من الرذائل كذلك ملكة العدالة محيطة بأنواع متكثرة من الفضائل ومحاطة بجنسين من الرذايل أعني الظلم والانظلام والظلم في طرف الافراط والانظلام في طرف التفريط ويعبر عنهما بالجور لأن جور الجائر أعم من أن يكون ظلما على نفسه وعلى غيره ومن ههنا ظهر أن العدل أمر وسيط يتوقف حصوله على الأوساط المذكورة، ورئيس شريف يتذلل لحكمه كثير من الفضائل العقلية، وأمير كبير ينتظم به سلطنة العقل في ملكوت القلب.
بل هو طريق قويم وصراط مستقيم يسير فيه العقل من العالم الجسماني إلى العالم الروحاني فيشاهد عجائب الملك والملكوت في هذه النشأة ويدخل جنات النعيم مع مرافقة الأخيار في النشأة الآخرة كما أن الجور الذي هو الفرار عن هذه الأوساط والاستقرار في طرف التفريط والافراط وهو من أعاظم أمراء الجهل وأكابر رؤسائه، ويندرج في حكمه كثير من جنوده طريق سقيم وصراط غير مستقيم يبعد سالكه في هذه النشأة عن حضرة الجبار ويدخل في النشأة الآخرة في عذاب النار وقد شبهوا تلك الصورة الباطنة الواقعة في الوسط المسماة بالعدالة لزيادة الايضاح والتقرير تارة بالصورة الظاهرة المحسوسة فكما أن لتلك الصورة الظاهرة أركانا مثل العين والأنف والفم والخد واليد والرجل إلى غير ذلك من الأعضاء الظاهرة، ولا توصف تلك الصورة بالحسن ما لم يحسن جميع تلك الأعضاء ولم يتوسط بين الافراط والتفريط كتوسط العين بين زيادة غؤورها وزيادة بروزها