شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٩٦
يسعى على نفسه بالاستهانة والخذلان، بل يحفظ قدره وشرفه على قدر الامكان ويجتنب من تحديث من يكذبه كما يجتنب من الذنوب والعصيان أو أشد اجتنابا لقول أمير المؤمنين (عليه السلام): «أشد الذنوب ما استهان به صاحبه» (1) ولأن المكذب للعاقل جاهل ورؤية الجاهل ومجالسته شوم فيكف تحديثه ومجاورته ولأن تحديثه مع احتمال تكذيبه ربما ينجر إلى الخصومة والجدال وقد ورد النهي عنها.
(ولا يسأل من يخاف منعه) لأن أصل السؤال - والطمع - عما في أيدي الناس ذل والخيبة بالمنع وعدم الانجاح ذل آخر فالعاقل لا يسأل غيره ما استطاع لقول أمير المؤمنين (عليه السلام) «إن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذو نعمة فافعل فإنك مدرك قسمك وآخذ سهمك، وإن اليسير من الله سبحانه أكرم وأعظم من الكثير من خلقه وإن كان كل منه» (2) وإن اضطر إليه ونظر إلى أن المال في أيدي العباد مال الله في الحقيقة قد ملكهم التصرف فيه وأن هذا العالم عالم الأسباب فلا يسأل قطعا من يخاف منعه تحاشيا عن ذل في ذل وانكسار في انكسار وإراقه ماء الوجه بلا منفعة أصلا وتماسكا بقوله (عليه السلام) «ماء وجهك جامد فانظر عند من تقطره» (3) وبقوله:
لقلع ضرس، وضنك حبس * ونزع نفس، ورد أمس وحمل عار، ونفخ نار * وبيع دار بعشر فلس وقود قرد، ونسج برد * ودبغ جلد بغير شمس وقتل عم، وشرب دم * وحمل غم، ونقل رمس أهون من وقفة بباب * تلقاك حجابها بعبس (ولا يعد مالا يقدر عليه) لأن خلف الوعد من صفة النفاق وصنع اللئام وفيه مذلة حاضرة وخساسة ظاهرة يستنكفها أصحاب العقول الخالصة وقد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) «ثلاث من كن فيه كان منافقا وعد منها خلف الوعد» (4) ولاظهار شرف الوفاء به وسمو رتبته وعلو درجته ذكر الله سبحانه في القرآن العزيز وقدمه على وصف الرسالة والنبوة وغيرهما من الصفات العالية مثل الأمر بالصلاة والزكاة فقال «واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد

1 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 348 و 477.
2 - النهج من كتاب له (عليه السلام) إلى ابنه الحسن (عليه السلام).
3 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 346.
4 - بحار الأنوار المجلد الخامس عشر الجزء الثالث من كتاب الايمان والكفر باب صفات المنافق والمرائي عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد عنه عن آبائه (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) «للمنافق ثلاث علامات إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان».
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»
الفهرست