شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ٢١٠
هذا الطريق إلى أعوان وأنصار يستعين بهم في دفع الأعداء والمحاربة مع الخصماء، فأعطاه الله سبحانه بفضل رحمته وكمال رأفته جنودا تعينه في مواضع الجدال ومواطن القتال وتوصله على السلامة منازل القرب والكرامة، وهذه الجنود خمسة وسبعون على ما في العنوان والمذكور في التفصيل ثمانية وسبعون ولا منافاة بينهما إذ ليس في العنوان ما يفيد الحصر (1) إلا مفهوم العدد وهو ليس بمعتبر كما بيناه في أصول الفقه.
وقال الشيخ بهاء الملة والدين رحمه الله على ما نقل عنه: لعل الثلاثة الزايدة إحدى فقرتي الرجاء والطمع وإحدى فقرتي الفهم وإحدى فقرتي السلامة والعافية، فجمع الناسخون بين البدلين غافلين عن البدلية وسنشير إلى توضيح ذلك في مواضعه إن شاء الله تعالى.
(فلما رأى الجهل ما أكرم الله به العقل) من تصفيته بنوارنية الذات وتقويته بكثرة الجنود وشرائف الصفات التي بنضارتها تشرق قلوب العارفين، وبإنارتها تضيء صدور السالكين، وبإضائتها يسيرون إلى أعلى المقامات وينالون أشرف الكرامات (أضمر له العداوة) بين العقل والجهل تضاد بحسب الذات لأن العقل جوهر نوراني والجهل كدر ظلماني (2) وهذا يصلح أن يكون منشأ لعداوته. ولذلك كانت العداوة بين العاقل والجاهل والمؤمن والكافر قائمة إلى قيام الساعة كما قال سبحانه (وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة) ولكن لما كان النور والظلمة متساويين في الغلبة والتدافع كأنه لم يحصل للجهل من هذه الجهة عداوة، وإنما حصلت العداوة على من جهة إكرام العقل بالجنود وتقويته بالفضايل والكمالات الموجبة لغلبته على الجهل فلذلك أضمر الجهل عداوة له حسدا ولم يظهرها لعدم القدرة على إمضاء آثارها بل طلب لنفسه مثل جنوده في القوة والعدد كما أشار إليه بقوله (فقال الجهل يا رب هذا خلق مثلي) أي مثلي في كونه مخلوقا، أو مثلي بحسب الذات ولا مزية له علي في المحاسن الذاتية وهذا القول منه على الأخير تمويه واغترار بنفسه، كما هو شأن الجاهل حيث يعد نفسه مماثلا للعاقل وهو إما غافل عن التفاوت الفاحش بين النور والظلمة أو عالم به لكنه قال ذلك ادعاء واستنكافا لانحطاط ذاته عن ذات العقل وإلا فأين المماثلة بحسب الذات بين المخلوق من ماء الرحمة والنور الرباني وبين المخلوق من نار الغضب والبحر الاجاج الظلماني ولعدم الفرق بينهما استكبر الشيطان لعنه الله وأبى أن يسجد لآدم (عليه السلام) وتمسك بقوله (خلقتني من نار وخلقته من طين) وهو لقصر نظره لاحظ طينية آدم وغفل عن

1 - فإن الجنود أكثر وذكر منها الاهم.
2 - بناء على ما ذكره الشارح من أن الجهل هو النفس باعتبار عدم تنوره بنور العقل فلا يستبعد نسبة إضمار العداوة والقول وخطاب الله تعالى له إليه ولا يجوز أن يتوهم أن الجهل عدم والعدم لا ينسب إليه هذه الأمور (ش).
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»
الفهرست