وهو مذهب أكثر المتكلمين وأرباب المعاني وأهل الباطن.
وتقول في نسبة الواحد: الروحاني وفي نسبة الجمع: الروحانيين بضم الراء فيهما والألف والنون من زيادات النسب وزعم أبو عبيدة أن العرب تقول لكل شئ فيه روح ومكان روحاني بالفتح أي طيب، ثم الروحانيون يطلق عليهم عالم المجردات وعالم الغيب وعالم الملكوت وعالم الأمر كما يطلق على هذا العالم المحسوس عالم الماديات وعالم الشهود وعالم الملك وعالم الخلق، وقد يقال إن الروحانيين جواهر مجردة نورانية غير مفتقرة في وجودها إلى جسم وجسمانيات فإن كان في فعلها وتصرفها مفتقرة إليها فهي نفس وإلا فهي عقل أو غيره (1) وأن الأنوار كلها حقيقة واحدة لا تفاوت بينها في المهية وعوارضها بل في الشدة والضعف والكمال والنقص في أصل النورية والوجود والله أعلم بحقيقة الحال (عن يمين العرش) متعلق بخلق أو حال عن الروحانيين واليمين الجانب الأقوى والأشرف خلاف الشمال، والعرش في اللغة سرير الملك وكونهم على يمين العرش كناية عن كرامتهم وعلو منزلتهم ورفعة شأنهم من بين المخلوقات لأن من عظمت منزلته تبوأ عن يمين الملك وفي عرف المتشرعة يطلق على ثلاثة أمور أحدها الملك، وثانيها الجسم المحيط بسائر الأجسام وهو الفلك التاسع، وثالثها العلم المحيط بجميع الأشياء وكل ذلك على سبيل التشبيه بسرير الملك، ويمكن إرادة كل واحد منها هنا أما الأول فلأن الملك وهو عبارة عن جميع الكائنات له يمين وشمال ويمينه أي جانب أقواه وأشرفه هو يلي المبدء الأول في ترتيب الايجاد وتقدمه (2) فكل ما هو أقرب منه جل شأنه في الايجاد فهو أيمن بالقياس إلى ما بعده لكونه أقوى وأشرف وأما الثاني فلأن ذلك الجسم المحيط إذا سمي بالعرش كان له يمين وشمال كما كان لسرير الملك، ثم الكاين على يمينه من أهل الكرامة والمنزلة كالكاين عن يمين سرير الملك، وأما الثالث فلمثل ما ذكرناه في الثاني أو في الأول باعتبار المعلومات لأن العلم المتعلق باليمين يمين بالنسبة إلى العلم المتعلق بما بعده وإن كان علمه بالأشياء بسيطا والتكثر إنما هو في المعلومات، ولا يبعد أن يقال: يجوز أيضا إطلاق العرش على عالمين: أحدهما عالم الجسمانيات كلها ويسمى بالعرش الجسماني، وثانيهما عالم المجردات كلها ويسمى بالعرش العقلاني والعرش الروحاني.
ويجوز أن يراد بالعرش هنا العرش الروحاني وبيمينه أشرف جانبيه وهو ما يقرب من الحق في