والنفس وإن كانت مائلة إلى الفساد عليلة بأمراض تلك الصفات والأجناد لكن ذلك لا يسلب عنها الاختيار ولا يوجب صدور القبايح عنها على سبيل الاضطرار بل يمكن لها تحصيل الصحة والسلامة عن الوساوس الشيطانية بالأدوية والعلاج المقررة لدفع الأمراض النفسانية وبالجملة النفس بعد تقويتها بالجنود والصفات التي هي بمنزلة العلل والأمراض لها اختيار في أعمالها وقدرة على أفعالها وليس صدرو تلك الأعمال والافعال عنها على سبيل الإلجاء والاضطرار فلها أن تترك مقتضيات تلك الصفات، وترتقي إلى أعلى مدارج الكمالات الأبدية حتى تستحق أن يقال لها (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية) ولها أن تمضي تلك المقتضيات وتسرح في مراعي هذه الصفات حتى ترتد إلى أسفل السافلين وتبعد عن رحمة رب العالمين (فأعطاه خمسة وسبعين جندا) في مقابلة ما أعطى العقل وكما أنهما متقابلان كذلك جنودهما متقابلان فحصل التكافؤ في الايجاد وتحقق التعاند والتضاد وبقيت العداوة بينهما إلى يوم التناد (1) وذلك لمصلحة ظاهرة يعلمها أولو الألباب وخفية لا يعلمها إلا علام الغيوب، وينبغي أن يعلم أن أجناس الفضائل باتفاق الحكماء أربعة الأول الحكمة، الثاني الشجاعة، الثالث العفة، الرابع العدالة وذلك لأن للإنسان قوى ثلاثة متباينة هي مبادي لآثار مختلفة مع مشاركة الإرادة وإذا غلبت أحدها على البواقي صارت البواقي مغلوبة أو مفقودة وتلك القوى أولها قوة ناطقة وتسمى نفسا ملكية وهي مبدء الفكر في المعقولات والنظر في حقائق الأمور. وثانيها القوة الغضبية وتسمى نفسا سبعية وهي مبدء الغضب والإقدام على الأهوال والتسلط والترفع على الغير، وثالثها القوة الشهوية وتسمى نفسا بهيمية في مبدء الشهوة وطلب الغذاء وشوق الالتذاذ بالمآكل والمشارب والمناكح، وإذا تحركت القوة الناطقة بالاعتدال في ذاتها واكتسب المعارف اليقينية حصلت فضيلة العلم والحكمة وإذا تحركت القوة الغضبية بالاعتدال وانقادت للقوة العاقلة فيما تعده حظا ونصيبا لها ولم تتجاوز عن حكمها حصلت فضيلة الحلم والشجاعة وإذا تحركت القوة الشهوية بالاعتدال وانقادت للقوة العاقلة واقتصرت على ما تعده
(٢١٢)