شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٨٤
يراه خيرا منه وحكاية موسى (عليه السلام): مع الكلب مشهورة وفي الكتب مذكورة.
(وأنه شرهم في نفسه) لما فيه من التواضع والتذلل وإهانة نفسه وعدم إكرامها وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «طوبى لمن ذل نفسه» (1) ولأن العاقل عارف بعيوبه وعجزه وقصوره لا بعيوب غيره (وهو تمام الأمر) أي هذا الأخير وهو أن يرى العاقل أنه شر الناس في نفسه تمام العقل وكماله إذ به يحصل الاستكانة والتضرع والخضوع لله تعالى والرجوع إليه بالكلية، والتعري عن جلبات الوجود والهوية المجازية والتوصل إلى الفناء في الله والهوية الحقيقية، ويحتمل أن يكون الضمير راجعا إلى جميع ما تقدم من الخصال المذكورة فهو حينئذ بمنزلة إعادة ما أفاده (عليه السلام) بقوله: و «ما تم عقل امرء حتى يكون فيه خصال شتى».
(يا هشام إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه) قريب منه قول أمير - المؤمنين (عليه السلام): «علامة الايمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك» (2) قال في المغرب: الهوى مصدر هويه إذا أحبه واشتهاه ثم سمى به المهوى المشتهى، محمودا كان أو مذموما، ثم غلب على غير المحمود فقيل: فلان اتبع هواه إذا أريد ذمه، وفي التنزيل (ولا تتبع أهواء قوم) ومنه فلان من أهل الأهواء إذا زاغ عن الطريقة المثلى من أهل القبلة كالجبرية والحشوية والخوارج.
والمعنى أن العاقل لا يكذب فيما فيه هواه ونفعه تحرزا من الفضيحة ووقوع الناس في أعراضه عند ظهور خلافه أو من عقوبة الله والبعد من رحمته فكيف إذا لم ينفعه الكذب ولا يهويه وفيه ترغيب في إيثار الصدق على الكذب ومبالغة في أن العاقل لا يكذب أصلا، وقال بعض الحكماء: الكذاب والميت سواء لأن فضيلة الحي النطق فإذا لم يوثق بكلامه فقد بطلت حياته.
(يا هشام لا دين لمن لا مروءة له) في المغرب المروءة كمال الرجولية ومنها تجافوا عن عقوبة ذي المروءة وقد مرأ الرجل مروءة، وفي الصحاح المروءة الإنسانية (ولا مروءة لمن لاعقل له) الظاهر أن النفي في المواضع الأربعة وارد على الحقيقة كما يقضيه وقوع النكرة في سياق النفي، والمعنى لا تتحقق حقيقة الدين ولا توجد لمن ليس له حقيقة المروءة، ولا تتحقق حقيقة المروءة لمن ليس له حقيقة العقل ينتج لا يتحقق حقيقة الدين لمن ليس له حقيقة العقل، والمقدمتان ظاهرتان ضرورة أن من كان له مروءة في الجملة كان له دين في الجملة ومن كان له عقل في الجملة كان له مروءة في الجملة، ويحتمل أن يكون النفي فيها واردا على الكمال كما هو الشايع في استعمال نحو هذا الكلام، والمعنى لا يتحقق كمال الدين لمن ليس له كمال المروءة، ولا يتحقق كمال المروءة لمن ليس له كمال العقل، ينتج لا يتحقق كمال الدين لمن ليس له كمال العقل، والمقدمتان أيضا ظاهرتان

1 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 123.
2 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 452.
(١٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 ... » »»
الفهرست