شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٨٢
«لا حسب كالتواضع» (1) يعني في إيجاب الرفعة هذا حال التواضع لله سبحانه وأما التواضع للفقراء والصالحين فمن شعب تواضعه لله تعالى شأنه لأن من أحب أحدا وتواضع له فإنه يجب أن يحب محبوبية ويتواضع لهم على أن التواضع لهم يوجب ازدياد المودة.
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) «التودد نصف العقل» (2) ووجه ذلك أن العقل نصفان نصف عقل المعاد ونصف عقل المعاش، وقال الصادق (عليه السلام): «من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس، وأن تسلم على من تلقى، وأن تترك المراء وإن كنت محقا ولا تحب أن تحمد على التقوى» (3) وفي حديث آخر: «التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزل منزلتها بقلب سليم لا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه، إن رأى سيئة درأها بالحسنة، كاظم الغيظ عاف عن الناس والله يحب المحسنين» (4) وينبغي أن يعلم أن الأولى والأحسن بحال الفقراء أن يتركوا تواضع الأغنياء ويعتزلوا عنهم ويتكلوا على الله سبحانه كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند الله وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالا على الله» (5) والتيه التكبر، ولعل المراد به ما ذكرناه من الاعتزال عنهم وترك التواضع لهم وإلا فالتكبر قبيح من كل أحد لأن الكبرياء إنما يليق بالحق عز شأنه إذا الخلق محل النقص، فإذا تكبر تكلف أن يتصف بما لا يليق به، ومن ثم قيل: هتك ستره من جاوز قدره.
(يستكثر قليل المعروف من غيره) العاقل يؤثر ذلك من وجوه:
الأول: التشبه بالبارىء جل شأنه فإنه يقبل قليل الحسنات من عباده ويضاعفه أضعافا كثيرة وفي الأدعية المأثورة «يا من يقبل القليل ويعفو عن الكثير».
الثاني: استكثاره تعظيم للنعمة والمنعم، وكلاهما مطلوب واستقلاله تحقير لهما وهو مذموم جدا.
الثالث: استكثاره نوع من الشكر وهو يوجب الزيادة لقوله تعالى: (ولئن شكرتم لأزيدنكم) ولما رواه مسمع بن عبد الملك قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) بمنى وبين أيدينا عنب نأكله فجاء سائل فسأله فأمر بعنقود فأعطيته فقال السائل: لا حاجة لي في هذا إن كان درهم، قال: يسع الله عليك، فذهب ثم رجع فقال ردوا العنقود فقال: يسع الله لك ولم يعطه شيئا، ثم جاء سائل آخر فأخذ أبو عبد الله (عليه السلام) ثلاث حبات عنب فناولها، إياه فأخذ السائل من يده ثم قال: الحمد لله رب العالمين الذي رزقني، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): مكانك فحثا ملأ كفيه عنبا فناولها إياه فأخذها السائل من يده ثم قال الحمد لله رب العالمين فقال

1 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 113.
2 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 113.
3 - (4 و 5) الكافي كتاب الايمان والكفر باب التواضع تحت رقم 6 و 13.
4 - 5 - النهج أبوا الحكم تحت رقم 406.
(١٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 ... » »»
الفهرست