شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٩٥
والتواصل والتظاهر والتواخي والتآلف والتودد والاجتماع، وكل ذلك مما يقتضيه كمال العقل ويعلم أيضا أن ترك الأذى يدل على حلمه وأناته ورفقه وإشفاقه وعلمه بعواقب الأمور وهي من آثار العقل، ويعلم أيضا أن إيذاء المسلم نقصان في الدين أو خروج منه لقوله (عليه السلام): «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» (1) فلذلك يتركه طلبا لكماله وأنه من كمال العقل ولا تفاوت في هذا الحكم بين كف نفسه عن أذى الغير أو كف غيره عن أذى أحد (وفيه راحة البدن عاجلا وآجلا) لأن الدنيا والآخرة دار المكافاة فمن ترك الأذى سلم عن الآفات أما الآخرة فلقوله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) وقوله تعالى: (سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) «بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد» (2) وقوله «يوم المظلوم على الظلم أشد من يوم الظالم على المظلوم» (3) إلى غير ذلك من الآيات والروايات، وأما الدنيا فلقوله (عليه السلام) «من سل سيف البغي قتل به، ومن حفر بئرا لأخيه وقع فيها» (4) ولأن المظلوم إن كان ذا قوة فقد ألقى المؤذي نفسه إلى التهلكة وإن لم يكن ذا قوة أضمر العداوة وينتهز الفرصة لايقاع المكروه به كما هو المعلوم من أحوال أبناء الزمان، وأيضا قد يرفعه الدهر وليس ذلك من الدهر ببعيد فالمؤذي دائما في معرض الهلاك وقد يقال: الناس إما كاملون أو ناقصون والناقص نقصانه إما بحسب الدنيا أو بحسب الآخرة والنقصان بحسب الآخرة إما بحسب العمل أو بحسب العلم والنقصان بحسب الدنيا إما في الجاه والعزة أو في المال والثروة، والكامل من حقه أن ينفع غيره أو يدفع الضرر عنه فصارت الأقسام ستة أربعة من جهة النقص واثنان من جهة الكمال فقوله (عليه السلام) «مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح» إشارة إلى الناقص من جهة العمل المفتقر إلى من يدعوه إلى الصلاح وقوله: «وآداب العلماء زيادة في العقل، إشارة إلى الناقص في العلم المفتقر إلى التعلم وقوله: «وطاعة ولاة الأمر تمام العز» إشارة الناقص بحسب الدنيا من جهة العزة.
وقوله: «واستثمار المال تمام المروءة» إشارة إلى الناقص بحسب الدنيا من جهة المال، فهذه أقسام الناقصين وعلاج جميعهم بالمعاشرة والصحبة.
وقوله: «وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة» إلى الكامل النافع لغيره.
وقوله: «وكف الأذى تمام العقل» إشارة إلى الكامل الدافع للضرر عن الغير.
(يا هشام إن العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه) لأن العاقل لا يعين غيره بالإثم والعدوان ولا

1 - النهج أبواب الخطب تحت رقم 165 أو لها «ان الله تعالى أنزل كتاب هاديا».
2 - و (3) و (4) النهج أبواب الحكم تحت رقم 221 و 241 و 349.
3 - 4 -
(١٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 ... » »»
الفهرست