فالمشتري هو الله تعالى، والبايع هو النفوس البشرية، والمبيع هو الأبدان، والثمن هو الجنة العالية، الباقية، والدنيا أوان التسليم، فارتضوا بهذا البيع واستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وسلموا المبيع إلى المشتري لتستفيدوا الربح العظيم فإن البايع إذا قصر في تسليم المبيع حتى هلك انفسخ البيع وبطل الربح، قيل: وفي جعل الجنة ثمن الأبدان إشارة إلى أن ثمن النفوس المجردة هو الله تعالى فكأنه (عليه السلام) قال:
أما أن أبدانكم ثمنها الجنة فلا تبيعوها بغيرها وأما نفوسكم المجردة وأرواحكم القدسية فإنما ثمنها هو الله سبحانه والفناء المطلق فيه (1) وفي مشاهدة الوجه الكريم فلا تبيعوها بغيرها ولما كان البيع منوطا بالرضا وكان (عليه السلام) هو الناصح الأمين رغبهم في هذا البيع لما فيه من المصالح الدنيوية والمنافع الاخروية ونهاهم عن بيع أبدانهم بالدنيا الفانية الزايلة الخاسرة الغدارة المكارة بقوله (فلا تبيعوها بغيرها) يعني يجب عليكم أن لا تعاملوا الشيطان ولا تبيعوا الأبدان بالدنيا وشهواتها فإن من آثر مبايعة الرحمن على مبايعة الشيطان فأولئك هم الرابحون، ومن عكس فما ربحت تجارتهم وأولئك هم الخاسرون.
وينبغي أن يعلم أن العبد في الدنيا تاجر وهو في محل الخطر بنفسه وماله فلابد أن لا يغفل لمحة من حاله، فإن الشيطان قاطع الطريق، مترصد في اغتياله، منتهض للفرصة في إضلاله، والمشتري وهو الله تعالى عالم بأحواله ولا يقبل إلا السليم والجيد من أعماله وأقواله وأفعاله فيجب عليه أن يبتهل أن لا يكون من الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين.
(يا هشام إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: إن من علامة العاقل) علامة الشئ ما يعرف به ذلك الشئ وللعاقل علامات كثيرة كما يظهر لمن تصفح أحاديث هذا الكتاب وغيرها والمذكور هنا ثلاثة كلها لتكميل الغير اثنان منها لتكميل العلم والآخر لتكميل العمل أو لتكميل العلم والعمل جميعا (أن يكون فيه ثلاث خصال) يريد أن كل واحدة منها علامة بدليل ما بعده (يجيب إذا سئل) لأن الجواب على نهج الصواب عقيب السؤال دل على كمال المجيب وإنارة عقله ونضارة ذهنه ومهارة طبعه في