شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٧٩
يورثه غيره» (1)، ومنها رعاية حال الفقراء الذين هم ودائع الله وعيال رسوله وجبر كسر قلوبهم ومواساتهم وقد وقع الحث عليها في روايات متكثرة، ومنها جلب قلوب الناس إلى المحبة والمودة، ومنها تحصيل رضوان الله تعالى وطلب الدرجات العالية في الآخرة، ومنها أنه يأخذ بدل واحد أضعافا كثيرة قال الله تعالى: «من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة» وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «من يعط باليد القصيرة يعط باليد الطويلة» (2) يعني من يعطي يسيرا يجزى به كثيرا واليدان عبارتان عن النعمتين، وفي طرق العامة قال أبو ذر: «يا نبي الله أرأيت الصدقة ماذا هي؟ قال: أضعاف مضاعفة وعند الله المزيد» قوله: «وعند الله المزيد» هي الزيادة على الثواب لمن يشاء بما يشاء كما قال سبحانه: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة) وأما غايات المنع وترك البذل فيعرف مما ذكرنا بالتضاد وأيضا المنع يورث البخل والشغل عن ذكر الله تعالى ومحبة الدنيا إلى غير ذلك من المفاسد فمن آثر البذل على الجمع مع أن من مقتضى النفوس البشرية والأوامر الشيطانية، فإن الشيطان دائما يأمر الإنسان بالمنع والجمع ويعدهم بالفقر بسبب الاحسان والبذل علم أن ذلك من تمام عقله ومتانته وكمال رأيه ورزانته.
(وفضل قوله مكفوف) لأن العاقل هو الذي يضع الأشياء في مواضعها ومن جملة ذلك أن يتكلم بما يحتاج إليه ويترك ما زاد عليه (3) وهو المراد بالفضل، ولأنه يعلم أن الإكثار يوجب الاهجار، ومن ثمة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) «من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثر ذنوبه ومن كثر ذنوبه فالنار أولى به» (4) وإن الكلام في وثاقه ما لم يتكلم به فإذا تكلم صار هو في وثاق الكلام فلا يتكلم إلا بالاحتياط.
ولذلك قيل: لا تتكلم بلسانك ما تكسر به أسنانك وأن الجوارح مسؤولة يوم القيامة فلا تتكلم إلا بالحكمة والموعظة الحسنة وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه» (5).

1 - أورده الشريف الرضى في النهج أبواب الخطب تحت رقم 23.
2 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 232.
3 - الكلام إما أن يكون حكمة ولا فضل فيه والفضل هو الزيادة التي لا يحتاج إليه وان كان غير الحكمة فهو محصول الوهم ولا يحوم حوله العاقل. (ش) 4 - أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر كما في الجامع الصغير.
5 - رواه الكليني في كتاب الايمان والكفر من الكافي باب الصمت وحفظ اللسان تحت رقم 19 من حديث أبي عبد الله (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) لكن في النهج من كلامه (عليه السلام) في أبواب الحكم تحت رقم 369.
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»
الفهرست