العلوم ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «تكلموا تعرفوا فإن المرء مخبوء تحت لسانه» (1) وقال أيضا «قدر كل امرء ما يحسنه فتكلموا في العلم تبين أقداركم» (2) ولأن هذا الجواب ينفع السائل لأنه ينور قلبه بالحكمة وإيصال النفع من الصفات الجلية والسمات العلية للعاقل كما يرشد إليه قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «خير القول ما نفع» (3) وقوله: أيضا «لا خير في علم لا ينفع» قيل يعني لا ينفع صاحبه غيره بل فيه مضرة، لقول النبي (صلى الله عليه وآله) «من سئل عن علم علمه ثم كتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» (4) وهذا يفيد وجوب الجواب عقيب السؤال ويستثنى من ذلك ما إذا كان الجواب موجبا لمضرة والترك مشتملا على المصلحة كالتقية ونحوها يدل على ذلك ما رواه المصنف (5) عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد عن الوشاء قال: سألت الرضا (عليه السلام) فقلت له: جعلت فداك (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)؟
فقال: نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون، قلت: فأنتم المسؤولون ونحن السائلون؟ قال: نعم، قلت:
حقا علينا أن نسئلكم؟ قال: نعم، قلت حقا عليكم أن تجيبونا؟ قال: لا، ذاك إلينا إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل أما تسمع قول الله تعالى: (هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب) وبالجملة العاقل حكيم يجيب إن رأى الجواب خيرا وبترك الجواب إن رأى تركه خيرا، وترك الجواب والصمت لمصلحة أيضا من علامات العاقل، وقد نقل بعض أرباب السير أن رجلا من أهل العراق حج بيت الله الحرام وغلبه النوم ليلة في المسجد الحرام فاعطي في المنام تعبير الرؤيا، فلما رجع إلى بلده اشتهر بذلك حتى كان الناس ينتقلون إليه من البلدان البعيدة لاستعلام رؤياهم وكان يجيبهم ويعبر لهم ولا يخطئ أصلا ونقل من جملة تعبيراته حكايات عجيبة غريبة فبلغ ذلك إلى الوالي فطلبه وأجلسه بين يديه وشرع بذكر حكايات من مزخرفات ومنامات مفتريات على سبيل السخرية والاستهزاء وكان ذلك الرجل ساكتا في كل ما يقول ولم يجبه أصلا فقال له الأمير بعدما أطال الكلام لايش ما تتكلم؟ فقال: أيها الأمير نحن نتكلم إذا كان السائل مستفهما لا ما إذا كان مستهزيا ومتعنتا.
فاستحسن عقله وتدبيره فعززه وقربه.
(وينطق إذا عجز القوم عن الكلام) بالحكمة الإلهية، والأسرار الربوبية والقوانين الشرعية والأخلاق النبوية والسياسات المدنية، وغيرها لشدة خوضه في العلوم والحقائق وكثرة غوصه في