شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٨١
فيما بينهم والسير في سبيل الله والتمسك بحبل الله موجبا للذل ووضع القدر عندهم فالعاقل هو الذي يحب هذا الذل ويختاره على ذلك العز لعمله بأن في هذه الرفعة مفاسد غير محصورة، وأنها رفعة دنيوية وذلك الذل رفعة أخروية، والرفعة الدنيوية مثل الدنيا داثرة داحضة، بخلاف الرفعة الاخروية، فإنها باقية أبدا.
(والتواضع أحب إليه من الشرف) التواضع التذلل من الوضع وهو خلاف الرفع.
والشرف الترفع بالنسب أو بالحسب، والمعنى أن العاقل هو الذي يؤثر التواضع لله على الشرف والرفعة (1) لأنه لما عرف عظمة الله ونظر إلى جلال قدره وكمال قدرته على جميع المقدورات وشدة استيلائه على جميع الممكنات بالايجاد والافناء وغاص في بحار وجوده وكماله وقدرته وتفكر في قهره ومنعه وجوده احتقر نفسه ووجوده وكماله وقدرته بل لا يرى لنفسه وجودا وكمالا وقدرة، وإنما يرى هذه الأمور الجاهل الذي لم يخطر بباله ذات الباري وصفاته فيرى لنفسه وجودا ولوجوده آثارا نظير ذلك أن من لم يرماء أبدا ثم رأى جدولا صغيرا فإنه يستعظمه فإذا وقف هناك بقي له ذلك الاستعظام، وأما إذا جاوزه ورأى نهرا عظيما فإنه يزول عنه ذلك الاستعظام ويستعظم هذا النهر ثم إذا جاوزه ورأى بحرا زاخرا زال عنه استعظام ما سواه قطعا.
وإلى ما ذكرنا أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «إنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعظم» (2) فإن رفعة الذين يعلمون ما عظمته أن يتواضعوا له في هذا التعليل إشارة إلى أن التواضع له سبحانه عين الرفعة وذلك لأن الله سبحانه هو العظيم المطلق وكل عظمة ورفعة فمستفاده من وجوده والقرب منه فكما كانت العادة جارية من الملوك في حق من يتواضع لهم ويوفيهم حقهم من الإجلال والاكرام وحسن الانقياد أن يرفعوه ويعظموه كذلك عادة مالك الملوك جل شأنه، يرشد إلى ذلك رفعة حال الأنبياء والأوصياء والصالحين عليهم صلوات الله أجميعن، ويدل عليه قول الصادق (عليه السلام) «إن في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تواضع لله رفعاه ومن تكبر وضعاه» (3) وقول أمير المؤمنين (عليه السلام)

١ - الشرف والرفعة معنى جزئي يدركه الوهم ويحبه الإنسان بهذه القوة الخبيثة والعقل لا يصدق بحسن ذلك إلا أن يكون وسيلة إلى دفع ظلم عن مظلوم أو ترويج حق كما قال سليمان (عليه السلام) «رب هب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي» أراد ذلك لإنفاذ الحق وترويج التوحيد وحينئذ فلا يكون الشرف مطلوبا لذاته بل إذا علم ان مقصوده الديني يحصل بالتواضع والخمول والضعة كان طالبا له دون الشرف وبالجملة فطلب الرفعة من علامات ضعف العقل وغلبة الوهم (ش).
2 - النهج أبواب الخطب تحت رقم 145 - أوله «فبعث محمد صلى الله عليه وآله بالحق».
3 - الكافي كتاب الايمان والكفر باب التواضع تحت رقم 2.
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»
الفهرست