شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٨٩
منهن) لأن صدر المجلس لأصحاب العلوم الراسخة وأرباب العقول الكاملة في قوتي العلم والعمل ليرجع إليهم الضعفاء ويلوذ بهم الفقراء في تحصيل الكمال وتكميل الأحوال ويعظموهم لحق التعليم والإرشاد ويوقروهم لحق التقدم في المعرفة والعلم بأحوال المبدء والمعاد، وهذا صريح في أن تفاوت الرجال في المجالس باعتبار تفاوتهم في الفضل والكمال لا باعتبار تفاوتهم في النسب والمال، يدل على ذلك قوله (عليه السلام) أيضا «قيمة كل امرء ما يحسنه» (1) وقول الصادق (عليه السلام) «اعرفوا منازل الناس على قدر رواياتهم عنا» (2) وبالجملة التقدم على الاطلاق لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم بعده لعلي بن أبي طالب وأولاده الطاهرين (عليهم السلام) ثم بعدهم لشيعتهم على تفاوت مراتبهم في العلم والعمل (فمن لم يكن فيه شئ منهن فجلس فهو أحمق) لأنه وضع لنفسه في غير موضعها وموضعها موضع أراذل الناس لأنه رذل وإن كان ذا نسب لقول النبي (صلى الله عليه وآله) ما استرذل الله عبدا إلا حظر عليه العلم والأدب» (3) وقول أمير المؤمنين: «إذا أرذل الله عبدا حظر عليه العلم» (4).
(وقال الحسن بن علي (عليهما السلام) إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها) يمكن أن يراد بالحوائج الحوائج الدينية أعني أصول المعارف والأحكام وفروعها وأن يراد بها الحوائج الدنيوية وقد دل العقل والنقل على قبح الطلب وذم السؤال في أمور دنيوية لأن فيه خساسة وذلا وانكسارا ودنية وإراقة ماء الوجه وهي أشد وأصعب من منيته، ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «أكرم نفسك عن كل دنية وإن ساقتك إلى الرغائب» (5) وهي جمع الرغيبة يعني العطاء الكثير وفي الخبر أيضا «لأن يأتي أحدكم جبلا فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من إن يسأل أعطوه أو منعوه» (6) وإن اضطررتم وليس الاضطرار إلا لقلة البصيرة وضعف اليقين بالله، لأن من توكل على الله فهو حسبه فاطلبوها من أهلها لأنه إن قضاها قضاها بلا منة ولا استهانة وعلى وجه جزيل وإن ردها ردها بوجه حسن وعلى وجه جميل، ولا تطلبوها من غير أهلها لأن تلك دنية حاضرة ومذلة ظاهرة، وفوت الحوائج أحسن وأهون منها فقال: (قيل يا ابن رسول الله ومن أهلها؟
قال: الذين قص الله في كتابه وذكرهم فقال: (إنما يتذكر أولو الألباب) قال: هم أولو العقول الخالصة) عن شوائب النقص والأوهام (7) إن أريد بالحوائج الحوائج الدينية فالرجوع فيها إلى اولى

١ - تقدم آنفا (٢) سيأتي في كتاب العلم ان شاء الله.
3 - أخرجة ابن النجار من حديث أبي هريرة بسند ضعيف كما في الجامع الصغير.
4 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 288.
5 - جملة من كتاب له (عليه السلام) إلى الحسن بن علي (عليه السلام) في النهج تحت رقم 31.
6 - أخرجه البغوي في المصابيح ج 1 ص 123.
7 - العقل الخالص عن شوائب الأوهام لفظ يتفوه به جميع الناس ويظنون أنفسهم واجدين له متصفين به ولكن الحق أن الخالص المحض ليس إلا في قليل ويعرف ذلك من عرض نفسه على العلامات المذكورة في هذا الحديث الشريف للعاقل كما مر وبينا في بعض ما مر كيفية ارتباط منافيات العقل للوهم انموذجا يقاس به الباقي ماذا رأيت أحدا يصدق بشئ لم يقم عليه دليل ولا يدرك بالبديهة كالفضاء الغير المتناهي والجزء الذي لا يتجزء وأن كل موجود محسوس فاعلم أن عقله مشوب بالوهم فهو بعينه نظير من يعترف بان الميت جماد ومع ذلك يخاف عنه ولكن ليس جميع الأصول العقلية مما يعارضه الوهم في التصديق بل في العمل ولولا ذلك لم يكن العقل حجة إذا لم يميز الإنسان مدركات وهمه من مدركات عقله. (ش)
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»
الفهرست