شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٨٣
أبو عبد الله (عليه السلام) مكانك، يا غلام أي شئ معك من الدراهم فإذا معه نحو من عشرين درهما فيما حرزناه (1) أو نحوها فناوله إياها، فأخذها ثم قال: الحمد لله هذا منك وحدك لا شريك لك فقال أبو عبد الله (عليه السلام) (عليهم السلام) مكانك فخلع قميصا كان عليه فقال: ألبس هذا، فلبسه، ثم قال: الحمد لله الذي كساني وسترني يا أبا عبد الله أو قال: جزاك الله خيرا، لم يدع لأبي عبد الله (عليه السلام) إلا بذا ثم انصرف، فذهب فظننا أنه لو لم يدع له لم يزل يعطيه لأنه كلما كان يعطيه حمد الله أعطاه» (2).
(ويستقل كثير المعروف من نفسه) لأن العاقل يعلم أن في استعظام ما أعطاه من المعروف مفاسد شتى منها أنه يؤذي الآخذو أذاه يحبط الأجر لقوله تعالى (قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم) ومنها أنه يوجب منا عليه والمن يهدم أجره لقول الصادق (عليه السلام) «المن يهدم الصدقة» (3) ومنها أنه يستلزم البخل لأنه لا يستعظم إلا ما عظم في عينه وكثر في نظره فيشق عليه إخراجه، ومن ثم قيل: الجواد لا يستعظم ولو أعطى الدنيا بحذافيرها، ومنها أنه يوجب العجب والفخر وهما من الصفات الرذيلة التي لا يرتكبها العاقل وأيضا العاقل إذا شاهد نعم الله تعالى على الفقراء ظاهرة وباطنة مما لا يعد ولا يحصى، وعلم أنه تعالى مع ذلك يستصغرها ويخاطبهم يوم القيامة بالاعتذار ويقول: «يا عبادي مامعتكم في الدنيا لهواني بكم بل لاكرامي لكم في هذا اليوم» (4) وقاس معروفه على نعماء الله تعالى يجده شيئا قليلا بل لا شيئا محضا، فلا يخطر بباله استعظام ذلك قطعا، ثم الاستعظام بأن يقول مثلا: لي عليك نعمة عظيمة، أو أعطيتك مالا كثيرا، أو أحييتك باعطاء كذا وكذا، أو خذ هذا المال الكثير، أو يعد نعماءه ويكررها عليه، أو نحو ذلك مما دل عليه صريحا أو ضمنا أو كناية.
(ويرى الناس كلهم خيرا منه) لحسن الظن بهم وعدم علمه بخفيات أمورهم ولاجتنابه عن رذيلة العجب المانع من الترقي في الكمالات والتودد في الالتيام ولأن هذا نوع من التواضع لله تعالى ولعباده والتواضع يوجب السعادة في الدارين والرفعة في النشأتين ومحبتهم إياه، ولأن الخيرية الحقيقة لكل أحد باعتبار قربه بالمبدء ولطف المبدء به ولا يعلم ذلك إلا الله سبحانه، ومراتبهما مختلفة متفاوتة في الزيادة والنقصان، والعاقل يجوز أن يكون القرب واللطف في غيره أكمل فلذلك

1 - الحرز تعيين مقدار شي بالتخمين. (ش) 2 - رواه الكليني في الفروع كتاب الزكاة أبواب الصدقة باب النوادر تحت رقم 12.
3 - الفروع من الكافي كتاب الزكاة باب المن وفيه «المن يهدم الصنيعة».
4 - الكافي كتاب الايمان والكفر باب فضل فقراء المسلمين تحت رقم 9.
(١٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 178 179 180 181 182 183 184 185 186 187 188 ... » »»
الفهرست