شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٨٨
بحار المعاني والدقائق إما بتعلم ومناظرة مع الخلان في مدة طويلة وآونة من الزمان أو بمكاشفات وإلهامات لكثرة أفكار ورياضات فحصل له بذلك كمالات لازمة وسعادات دائمة وملكات ثابتة وأحوالات راسخة حتى عرج بذلك إلى رتبة التعليم بعبارات لايقة، ودرجة التفهيم بكلمات رائقة، ومنزل التقويم بتقريرات واضحة، كما هو شأن العلماء ودأب الحكماء، وطرز العقلاء، فدل ذلك على كماله في عقله وتفوقه في فضله وتقدمه في جلال قدره وكمال نيله ومن ههنا يظهر أن أمير المؤمنين (عليه السلام) مقدم على الثلاثة المنتحلين للخلافة لعجزهم عن معرفة كثير من الأحكام ورجوعهم إليه في كثير من مسائل الحلال والحرام (ويشير بالرأي الذي يكون فيه صلاح أهله) لأن ذلك يتوقف على التميز بين الحق والباطل والحسن والقبيح والصحيح والسقيم والخير والشر في الأقوال والأعمال والأخلاق كلها، ثم اختيار أفضل هذه الأمور للاخوان والإشارة إليه شفقة عليهم، وكل ذلك من آثار الفضل وعلامات العقل ولذلك قيل: من أشار إلى أخيه بأمر يعلم أن الرشد فيه فقد كمل عقله وفاق فضله وظهر عدله.
وهذه الفقرة من الكلمات الجامعة لشمولها جميع أنواع الخير مثل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأمر بالأخلاق المرضية والترغيب في أمر الآخرة والتزهيد عن الدنيا، وغير ذلك مما يتم به نظام الدارين وتكمل به سعادة الكونين، وقيل الفقرة الأولى ناظرة إلى الفتاوى في النقليات والشرعيات والثانية إلى تحقيق المعارف والعقليات والثالثة إلى معرفة التدبيرات والسياسات في العمليات (1) (فمن لم يكن فيه من هذه الخصال الثلاث شئ) يعني لم يقدر على الجواب عند سؤال، وعلى النطق عند عجز القوم، وعلى الإشارة بما فيه صلاح أهله فهو أحمق ناقص العقل لفساد قوته النظرية والعملية المعبرتين بالعقل النظري والعملي.
قال في المغرب: الحمق نقصان العقل عن ابن فارس، وعن الأزهري فساد فيه وكساد، ومنه انحمق الثوب إذا بلي، انحمقت السوق إذا كسدت، وقد حمق حمقا فهو أحمق، وحمق حماقة فهو أحمق.
(إن أمير المؤمنين (عليه السلام)) تأكيد للسابق وتقرير له ولذلك ترك العاطف (قال لا يجلس في صدر المجلس إلا رجل فيه هذه الخصال الثلاث) التي هي من أعاظم أصول حاجات الناس (أو واحدة

١ - لأن قوله في الفقرة الثالثة «صلاح أهله» صريح في السياسة وتدبير المنزل والأخلاق وأما الفقرة الثانية فوجه اختصاصها بالمعارف والعقليات ان الناس لا يسئلون عنها حتى ينحصر التعليم في مورد السؤال بل على العالم ان يعلم الناس التوحيد ويوجههم إلى الآخرة ويبين لهم النبوة والإمامة قبل أن يلتفتوا ويسئلوا واما الفروع فيسئل عنها المؤمن بالله والآخرة فيجيب العالم كما في الفقرة الأولى (ش).
(١٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»
الفهرست