وظلمات الغشاوة إلى أن شاهدوا العلوم الإلهية والحكمة الربانية وإذا قابلت العقول الناقصة القابلة عقولهم استعدت بذلك لأن يتنور بنورها وتستضيء بضوئها كما أن القمر المقابل للشمس يتنور بنورها ويستضىء بضوئها وعلى حسب ذلك ينكشف عنها الحجاب والعوائق ويحصل لها الترقي إلى عالم العلوم والحقائق ولذلك قال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) «محادثة العالم على المزابل خير من محادثة الجاهل على الزرابي» (1) (وطاعة ولاة العدل تمام العز) (2) لما كان الإنسان أسيرا للنفس الأمارة بالشهوات والقوى الداعية إلى اللذات وكان أهواؤهم لذلك مختلفة وآراؤهم متباعدة وقلوبهم متفرقة كانت استقامة نظام أحوالهم في أمر معاشهم ومعادهم محوجة إلى سلطان قاهر وحاكم زاجر تأتلف برهبته النفوس والأهواء وتجتمع بهيبته القلوب والآراء وتنكف بسطوته الأيدي العادية إذ في طباعهم من حب الغلبة على ما أثروه والقهر لمن عاندوه مالا ينكفون عنه إلا بمانع قوي ورادع ملي وزاجر جلي وقد أفصح المتنبي عنه حيث قال:
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى * حتى يراق على جوانبه الدم والظلم من شيم النفوس فإن تكن * ذا عفة فلعلة لا يظلم والعلة المانعة من الظلم عند الاستقراء ترجع إلى أمور أربعة إما عقل زاجر أو دين حاجز، أو عجز مانع، أو سلطان رادع، والسلطان القاهر أبلغها نفعا وأعظمها ردعا لأن العقل والدين ربما كانا مغلوبين بدواعي الهوى والعجز قد ينتفى كما هو المشاهد في الأكثر فيكون رهبة السلطان أقوى ردعا وأعم نفعا، ثم السلطان الجائر وإن كان دافعا للفتنة من بعض الجوانب لكنه جالب لها من جوانب أخر فلا