شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٧٧
الافعال التابعة للعلم والايمان وأفعال الكريم والحليم والرحيم مرارا كرة بعد أخرى، والسر في ذلك أن تلك الصفات أسباب لهذه الافعال والأعمال لأنه ينبعث منها الشوق والإرادة والعزم ويتحرك بسبب هذه الأمور الأعضاء نحو المتشوق والمراد، فيظهر منها الافعال والأعمال، ودلالة هذه الأعمال والافعال على تلك الصفات كدلالة الأثر على المؤثر وبالجملة ظاهر الرجل عنوان لباطنه ومعرفة باطنه تابعة لمعرفة ظاهره، فإن كان جميع أفعاله الظاهرة دائما مستقيمة واقعة على القوانين الشرعية دل ذلك على ثبوت معرفته وإيمانه وكمالهما ورسوخهما وإن كان جميعها غير مستقيمة أو كان القول مستقيما وغيره من الأفعال غير مستقيم أو كان عكس ذلك دل ذلك على عدم ثبوت معرفته وإيمانه وعدم كمالهما ومثل هذه المعرفة والايمان في معرض الزوال.
(يا هشام كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: ما عبد الله بشئ أفضل من العقل) المقصود أن العقل أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى وكل ما يتقرب به سواه دونه في الفضل وهذا كمال المدح له ولأهله واعلم أن للعقل اطلاقات والمشهور منها أمران: الأول القوة المهيأة للعلوم الكلية ضرورية كانت أو نظرية تصورية كانت أو تصديقية ولا نعني مجرد القوة والاستعداد بل نعني بها القوة الحاصلة معها كمالاتها بالفعل، والثاني العلم والحكمة التي هي ثمرته ويمكن حمله هنا على كل واحد منهما، لأن كل واحد منهما أصل يتوقف عليه غيره مما يتقرب به العبد إلى الله تعالى مثل الصلاة والصيام والحج والزكاة ونحوها فكل واحد منهما أفضل مما عداه وهو المشار إليه بقوله صلى الله عليه وآله لعلي (عليه السلام):
«يا علي إذا تقرب الناس إلى خالقهم بأبواب البر فتقرب أنت بعقلك تسبقهم بالدرجات والزلفى عند الناس في الدنيا وعند الله في الآخرة (1) (وما تم عقل امرء حتى تكون فيه خصال شتى) الخصال بالكسر جمع الخصلة بالفتح وهي المرة من الخصل وهو الغلبة في النضال، والخصلة أيضا الخلة وهي المراد هنا وكأنها منقولة عن الأولى لجامع الغلبة والفضيلة بينهما، وشتى جمع شتيت وهو التفرق، يقال ثغر شتيت أي مفلج (2) وقوم شتى وأشياء شتى وجاؤا أشتاتا أي متفرقين واحدهم شت وقد ذكر ههنا اثنتي عشر خصلة:
(الكفر والشر منه مأمونان) والناس آمنون من كفره وشره (3) والكفر يطلق على خمسة معان كما

١ - رواه أبو نعيم في الحلية من حديث علي (عليه السلام) هكذا «إذا اكتسب الناس من أنواع البر ليتقربوا بها إلى ربنا عز وجل فاكتسب أنت من أنواع العقل تسبقهم بالزلفة والقرب» وأورده الشيخ أبو علي سينا في الرسالة المعراجية ص 15.
ونقله المحقق الداماد في كتاب الصراط المستقيم بهذا اللفظ «يا علي إذا عني الناس أنفسهم في تكثير العبادات والخيرات فأنت عن نفسك في أدراك المعقولات حتى تسبقهم».
2 - الانفراج بين الأسنان.
3 - الكفر باي معنى فرض لا يجتمع مع العقل فإن انكار الرب مبنى على قاعدة وهمية وهي أن كل موجود محسوس ولا يعرف بشئ لا يحس به وانكار الحق مع العلم بأنه حق وظيفة الواهمة كما عرفت من المثال المتقدم من أن الميت لا يخاف لأنه جماد، وكذلك ساير المعاني الذي ذكره كما يظهر بالتأمل. (ش)
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»
الفهرست