شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٧٦
نتايج نفوسهم ولوازم أخلاقهم وتبعات أعمالهم (1) وأفعالهم فيخافون من الله عز شأنه غاية الخوف كما قال سبحانه (إنما يخشى الله من عباده العلماء) فلا جرم يعملون في الدنيا للآخرة ويسعون لها غاية السعي ويحصلون ما يوجب نجاتهم من النار وفوزهم بالجنة وأشار إلى الثاني (2) بقوله:
(ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه) يعني من لم يأخذ علمه من الله سبحانه بأحد الوجهين المذكورين لم يكن إيمانه ثابتا ولا علمه باقيا لأنهما يزولان بأدنى شبهة بخلاف من أخذ علمه منه تعالى فإن إيمانه ثابت وعلمه راسخ لا يزول بوجه من الوجوه كما قال العالم (عليه السلام) من: «أخذ دينه من كتاب الله وسنة نبيه صلوات الله عليه وآله زالت الجبال قبل ان يزول ومن أخذ دينه من أفواه الرجال ردته الرجال» (3) قال (عليه السلام) «من لم يعرف أمرنا من القرآن لم يتنكب الفتن) (4) (ولا يكون أحد كذلك) أي يعقل عن الله ويعقد قلبه على معرفة ثابتة ويبصرها ويجد حقيقتها في قلبه (إلا من كان قوله لفعله مصدقا) بأن يكون عاملا بالمعروف آمرا به وتاركا للمنكر ناهيا عنه فأن العلم الحقيقي والايمان الكامل يحكمان بالتلازم بينهما وحمل القول هنا على الاعتقاد بعيد (وسره لعلانيته موافقا) بأن يكون صفاته وكمالاته الباطنة موافقة لصفاته وكمالاته الظاهرة مثل الأعمال الحسنة وحسن الخلق وطلاقة الوجه وإكرام المؤمن وأمثال ذلك (لان الله تبارك اسمه لم يدل على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه وناطق عنه) أي مخبر عنه ومشعر به هذا دليل على ما يفيده الاستثناء من أن من كان قوله لفعله مصدقا وسره لعلانيته موافقا تجده عاقلا عن الله ثابتا على معرفته راسخا في إيمانه وعرفانه ويجد حقيقة ذلك في قلبه.
بيان ذلك: أن العلم بخفيات الأمور وصفات القلوب ليس إلا لعلام الغيوب لأنه العليم بذات الصدور وأما غيره فقد يعلم الباطن من الظاهر، فكما يعلم من حمرة الوجه وانتفاخ العروق وغلظ الصوت شدة الغضب وإرادة الانتقام، ومن اصفرار الوجه وتضايل البدن وتحرك الفرائص شدة الخوف كل ذلك للتناسب بين الروح والبدن بحيث يصل أثر أحدهما إلى الآخر كذلك يعلم الصفات النفسانية والكمالات الروحانية والعلوم والعقائد الراسخة القلبية من الأعمال والأفعال الصادرة من الأعضاء الظاهرة مثلا يقول فلان عليم مؤمن راسخ في علمه وإيمانه وكريم حليم رحيم إذا صدر منه

1 - هذا أيضا متفرع على ما سبق من التسبيب فلا يفعل الله تعالى شيئا في الدنيا والآخرة إلا بأسبابها ولا يكون ارادته إرادة جزافية وليس فاعلا مختارا بالمعنى الذي يفهمه بعض المتكلمين فكما أن سبب نمو النبات في الدنيا البذر والماء والحر والشمس ولا ينبت الحنطة من بذر الشعير كذلك ثواب الآخرة مسبب عن ملكات النفوس واخلاقها وما رسخت فيها من الصفات بالاعمال الصالحة والسيئة (ش).
2 - أي نسيان العلم والآخرة ان لم يكن علمه مستندا إلى الله بأحد الوجهين (منه) 3 - (2 و 3) تقدما في مقدمة الكتاب.
4 -
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»
الفهرست