شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٦٦
إلى التجارة وهي طلب الربح بالبيع والشري إسناد مجازي لأن الربح حقيقة للتاجر إلا أن التجارة لما كانت متعلقة بالتاجر ومتلبسة به وسببا للربح أسند الربح إليها اتساعا.
وفيه حث بليغ على الزهد في الدنيا وزهراتها إلا القدر الذي له مدخل في البلغة والحياة فإن زهراتها مع عدم الاحتياج إليها شاغلة للفكر مانعة للقلب عن التوجه إلى حضرة القدس، باعثة لشدة الحساب; مقربة إلى العقاب، محركة للآمال، منسئة للآجال، مذهبة للعبادة وحلاوتها داعية للنفس الأمارة إلى شقاوتها، وحض عظيم على طلب الحكمة (1) فإن السعادة في الدارين والتفاضل في النشأتين إنما تحصل بها بل هي عين السعادة العظمى والغاية القصوى والفضيلة الكبرى، بها يتم نظام الدين; ويحصل قرب رب العالمين، والوصول إلى أعلى منازل المقربين، ولذلك أمر الله سبحانه حبيبه وصفيه بعد تشرفه بشرف الرسالة وتحليه بلباس الكرامة فقال: عز شأنه وجل برهانه «قل رب زدني علما» ولو كان شئ أعظم من العلم لأمره بطلب زيادته.
(يا هشام إن العقلاء تركوا فضول الدنيا) وهي المباحات (فكيف الذنوب) الموبقة المورثة لخزي الوبال وشدايد النكال، فإنهم تركوها بالطريق الأولى وأعلم أن أمور الدنيا على تكثرها مندرجة تحت الأحكام الخمسة، لأنها إما حرام أو حلال، والحلال إما واجب أو مندوب أو مكروه أو مباح، والمراد بالفضول هو الأخيران، وبالذنوب هو الأول وأما الواجب وهو تحصيل القدر الضروري الذي لا يمكن التعيش والبقاء بدونه، والمندوب وهو الزائد على ذلك مما يتوسع به الرجل على نفسه وعياله على حد القانون الشرعي الذي يسمونه كفافا فليس بمذموم بل هو واجب أو مستحسن عقلا ونقلا، إذا تبين ذلك فنقول: العقلاء تركوا فضول الدنيا لا لأنها مذمومة إذ لا ذم فيها بل لغاية تنزههم ونهاية تقدسهم وكمال حراستهم صرف العمر فيما يشتغل القلب عن ذكر الله تعالى ومشاهدة عظمته وجلاله ومخافة أن ينجر ذلك إلى الحرام كما قال (صلى الله عليه وآله) «لا يكون الرجل من المتقين حتى يدع ما لا بأس به مخافة ما به بأس» وذلك مثل الاجتناب عن التحدث بأحوال الناس لمخافة أن ينجر ذلك إلى الغيبة، وإذا تركوا الفضول لهذه الأمور تركوا الذنوب الموجبة للعذاب المهين، والبعد عن رحمة رب العالمين، المحركة للنفس إلى أسفل السافلين، والداعية لها إلى الخسران المبين (وترك الدنيا من الفضل وترك الذنوب من الفرض) الجملة حالية وهي كالتأكيد للسابق والدليل عليه، لأن ترك

1 - سبق أن الحكمة - وهي العلم بأحوال الموجود على ما هو عليه بقدر الطاقة البشرية - علم مرغوب فيه شرعا وهي تشمل الحكمة النظرية من الطبيعي والرياضي والإلهي والحكمة العملية كل ذلك بالدليل واما التقليد وهو أخذ الشئ من غير دليل من غير المعصوم فمذموم والضلال يحصل من ترك التمسك بالثقلين فقط فكما ضل بعض الفلاسفة لتلك العلة فقد ضل أقوام لم تكونوا عارفين بالحكمة أصلا (ش).
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»
الفهرست