شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٦١
الدنيوية وقطع عنه أنواع العلاقات النفسانية والهيئات البدنية بحيث لا يبقى معه شئ إلا التفكر في ذاته وصفاته تعالى وما يوجب قربه يستقبله حينئذ نور الحق كما قال: «من تقرب إلي بذراع تقربت إليه بباع» (1) وينزله على بساط العز والمصاحبة ويشرفه بشرف الانس والمكالمة ويكرمه بأنواع التعظيم والمخاطبة حتى إذا ناداه أجابه بلبيك وإذا سكت ناداه يا عبدي أنا مشتاق إليك لم سكت عن عرض الحالات والمقالات بعد الترخص لك بالأجوبة والسؤالات وعند ذلك ينكشف عنه الحجاب ويسكن فيه عروق الاضطراب، ويزول عنه لواحق الوحشة والاغتراب، فيقول: لا إله إلا أنت ولا اشرك بك أحدا، وتسيل عليه الكرامات الإلهية والسعادات الربانية والكمالات النفسانية ما لم يكن يخطر بباله أبدا (2) (وغناه في العيلة) الغناء بالفتح والمد النفع، وقيل: الكفاية وبالكسر والقصر اليسار والحمل على سبيل المبالغة أو المصدر بتأويل الفاعل، والعيلة بالفتح الفقر والفاقة يعني أنه سبحانه نفس غناه أو مغنيه في وقت حاجته وفقره لا غيره إذ عين افتقاره حينئذ لا تنفتح إلا إليه ويد اضطراره لا تتحرك إلا بين يديه ولا ملجأ له سواه حتى يكله عليه، واعلم أنه يحتمل أن يراد بالفقر والغناء ما هو المعروف بين الناس وهو أن يجد من متاع الدنيا ما يعيش به ويسد خلله ويقيم أمره ويكمل نظامه ويصون وجهه وأن يفقد ذلك ويحتمل أن يراد بهما الغنى والفقر الاخرويين وقد شاع إطلاقها عليهما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «الغنى والفقر بعد العرض على الله سبحانه» (3) يعني هما يتبينان يوم القيامة ويتحققان بعد العرض على الله سبحانه وبعد الفراغ من الحساب والفقير في ذلك اليوم من تحير في خسارة نفسه وحرم من كرامة ربه والغني من تحلى نفسه بالأخلاق والكمالات واستحق الفوز بالسعادات والكرامات ونظر إليه ربه بعين الرحمة والغفران وأنزله أعلى درجات الفردوس وأشرف منازل الجنان، وهذا الاحتمال أقرب من الأول لأن الفقر بمعنى الافلاس في الدنيا سهل لأنه ينقطع شدائده بالموت بخلاف الفقر والإفلاس في الآخرة فإنه يوجب الهلاك الدايم والشقاء الأبد (ومعزه من غير عشيرة) المعز من العز خلاف الذل أو خلاف الضعف بمعنى القوة والشدة، والمعنى وكان الله معزه في الآخرة بالثواب الجزيل أو في الدنيا بالذكر الجميل والمدح الجليل وبافاضات

١ - الباع ضعف الذراع والخبر رواه البخاري في صحيحه ج ٩ ص ١٩٢.
٢ - وقد روى عن عمران بن الحصين وهو من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: كان يسلم على يعنى الملائكة كانوا يسلمون عليه في خلواته فاكتويت يعنى عالج نفسه في مرض طري عليه بالكي وانقطع السلام منهم لكراهة العلاج بالكي ثم منع الراوي ان يروي حديثه ما دام حيا لأنه خشى ان يهجم عليه الناس للتبرك به فيؤذوه أو يتوقعوا منه شيئا لا يقدر عليه وعمران هذا كان ممن رجع إلى أمير المؤمنين وكان يندر على من قال برايه في المتعة وكشف الأمور الملكوتية لا يحصل إلا لمن يعتزل الناس ويأنس بالوحدة (ش).
3 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 452.
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»
الفهرست