شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٦٣
والزيادة للمبالغة، وفي بعض النسخ «يعتقل» باللام من اعتقل الرجل أي حبس ومنع والظرف متعلق بيعتقد قدم للحصر، أو للاهتمام يعني تعلم الأحكام والمعارف معقود بالعقل ومحكم به، أو محبوس عليه ملازم له لا يحصل بدونه لأن العقل هو القابل لجميع العلوم فلو لم يكن للمتعلم عقل منفعل بالقوة قابل لفيضانها من المعلم العالم بها بالفعل كان تعلمه بلا فائدة وسعيه بلا أثر كالراقم على الماء.
(ولا علم إلا من عالم رباني) في النهاية الرباني منسوب إلى الرب بزيادة الألف والنون للمبالغة وقيل: هو من الرب بمعنى التربية كانوا يربون المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها، والرباني العالم الراسخ في الدين أو الذي يطلب بعلمه وجه الله وقيل: العامل المعلم وفي الصحاح والقاموس الرباني المتأله العارف بالله تعالى وفي الكشاف الرباني هو شديد التمسك بدين الله تعالى وطاعته وفي مجمع البيان هو الذي يرب أمر الناس بتدبيره له وإصلاحه إياه وهذه الجملة اعتراضية وقعت بين كلامين متصلين معنى لنكتة وهي التنبيه على أنه يجب على المتعلم أن يأخذ العلم من العالم الرباني دون غيره أو يقال لأنه وقع حقيقة في آخر الكلام لإفادة نكتة يتم أصل المعنى بدونها وهي زيادة المبالغة والتأكيد لما يستفاد من قوله والعلم بالتعلم فإنه يفهم منه أن حصول العلم موقوف على التعلم من العالم الرباني إذ المراد بالعلم العلم الإلهي فظاهر أن العلم الإلهي إنما يستفاد من العالم الرباني، وإنما قلنا حقيقة لأن ما بعدها نتيجة للسابق فكان الكلام قد انتهى وتم قبل ذكره من غير حاجة إليه.
(ومعرفة العلم بالعقل) هذا في الحقيقة نتيجة للكلام السابق وهو قوله: «والعلم بالتعلم والتعلم بالعقل» فقد ثبت مما ذكر أن العلم والطاعة مع كونهما أصلين للوصول إلى الدرجة العظمى والبلوغ إلى المرتبة القصوى يتوقفان على العقل وفيه غاية التعظيم للعقل ونهاية التكريم لأهله، ومن العجائب أن امة من السفهاء وزمرة من الحمقاء في عصرنا هذا (1) يعتقدون أنهم الغاية الكبرى من الايجاد والتكوين ويجالسون العلماء والعقلاء بصفة المنافقين (وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن * الله يستهزء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون).
(يا هشام قليل العمل من العالم مقبول مضاعف) لأن العالم يعرف ربه وما يليق به ومالا يليق وما صنع من إكرامه وإنعامه الذي يعجز عن ذكره اللسان ولا يحيط على وصفه البيان وما شرع من الأوامر

1 - كأنه يريد بهم المتظاهرين بالتصوف من أهل الدنيا من غير ان يكون لهم بصيرة في الدين ومعرفة بالله ولا يعلمون الاصطلاحات المتداولة عند العرفاء فضلا عن المعاني وذلك، لأن الدولة في ذلك العصر كانت للصوفية، والسلطان منهم وكل من كان يريد التقرب إليهم يتظاهر بالتصوف حتى يفوز بالمقامات والمناصب من غير ان يعرف شيئا منه وهكذا كل علم يكون وسيلة لنيل الجاه والمال في زمان كالطب والفقه يكثر المتشبهون بالعلماء فيه وما لا يكون وسيلة إليهما لا يدعى به العلم إلا المحقون به ولا يتشبه الجاهل بعالم لا يكون علمه طريقا إلى تحصيل الدنيا. (ش)
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»
الفهرست