شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٦٩
والأخلاق الفاضلة، وفي ترك عطف «مطلوبة» على «طالبة» في الأول وعطفها في الثاني تنبيه على أن المتحقق من نسبة الطالبية والمطلوبة إلى الدنيا والواقع منهما في نفس الأمر هو المطلوبية بناء على أن النفي والإثبات في الكلام راجعان إلى القيد كما هو المقرر في العربية ووجهه ظاهر لظهور أن الناس كلهم إلا من شذ طالبون للدنيا بخلاف نسبتهما إلى الآخرة، فإن طالبيتها أيضا متحققة في نفس الأمر هذا إن جعلت «مطلوبة» صفة «لطالبة» وقيدا لها وإن جعلت خبرا بعد خبر كما هو الأنسب بالقرينة الثانية فالوجه في ترك العطف هو الإيماء إلى كمال اتصال مطلوبية الدنيا بطالبيتها، ونهاية ربطها بها، وعدم افتراقها عنها باعتبار أن الدنيا في الواقع مطلوبة للكل فلا حاجة هنا إلى رابطة مستفادة من العطف بخلاف مطلوبية الآخرة فإنه لا اتصال بينها وبين طالبيتها لوقوع الافتراق بينهما باعتبار قلة طلب الآخرة فاحتيج في ربط إحديهما بالأخرى إلى العطف هكذا فافهم، ثم الطالبية والمطلوبية في كل واحدة من الدنيا والآخرة يمكن أن تتصور على وجهين أحدهما أن كل واحدة من الدنيا والآخرة متصفة بهما مع قطع النظر عن الأخرى، وثانيهما أن كل واحد منهما طالبة عند كون الأخرى مطلوبة ومطلوبة عند كون الأخرى طالبة، والوجه الثاني هو المراد هنا كما يرشد إليه قوله (عليه السلام) (فمن طلب الآخرة) وسعى لها سعيها طلبا لمقاماتها العالية، وإنما قدم هنا طلبها على طلب الدنيا للاهتمام به، والتنبيه على أنه هو الذي يجب رعايته، وعكس في السابق باعتبار تقدم الدنيا على الآخرة وملاحظة وقوع طلبها في نفس الأمر (طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه) كما قال الله سبحانه (وفي السماء رزقكم وما توعدون، فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون) وقال: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إن الروح الأمين نفث في روعي أنه لا يموت نفس حتى تستكمل رزقها» (1) وقال الصادق (عليه السلام) «لو كان العبد في جحر لآتاه الله برزقه» وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «الرزق رزقان رزق تطلبه ورزق يطلبك فإن أنت لم تأته أتاك» (2) وقال: «يا ابن آدم لا تحمل هم يومك الذي لم يأتك على يومك الذي أتاك فإنه إن يك من عمرك يأتي الله فيه برزقك» (3) وقيل لبعض الأكابر: قد غلا السعر، فقال: لو كان وزن حبة من الطعام بمثقال من ذهب ما باليت فإن علينا أن نعبده كما أمرنا، وعليه أن يرزقنا كما وعدنا.
ومن ثم قيل: أترك الدنيا وخذها فإن تركها في أخذها وأخذها في تركها (ومن طلب الدنيا) وسعى لها سعيها وصرف عمره الذي هو رأس ماله في ادخار متقنياتها (طلبته الآخرة) حتى يستوفي

١ - (١ و ٢) رواه الكليني في الكافي ج ٥ ص ٨٠ باب الاجمال في الطلب من كتاب المعيشة.
2 - 3 - النهج أبواب الحكم تحت رقم 379 بأدنى اختلاف.
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»
الفهرست