محتمل لكنه بعيد جدا (وراحة القلب من الحسد) تارة بأنه تمنى الرجل زوال النعمة من ذوي النعمة وعودها إليه، وأخرى بأنه اغتمامه بخير يناله غيره من حيث لا مضرة عليه، واتفق أرباب القلوب على أنه من أعظم أبواب الشيطان التي يدخل بها على القلب، وعلى أنه من أقبح العوارض الردية للقلب ويتولد من البخل والشر ويراد بالشر التذاذ الطبع بما يضر الناس اغتمامه بما يوافقهم، وعلى أنه مضر بالقلب.
والحسد إما بالقلب فلأنه يصرف فكره إلى الاهتمام بأمر المحسود والاعتماد بشأنه حتى لا يفرغ للتصرف فيما يعود نفعه إليه وينسى ما حصل له من الملكات الخيرية التي هي الحسنات المنقوشة في جوهره فتضمحل تلك الملكات على طول الحسد واشتغال الفكر في المحسود وطول الحزن والهم في أمره ويتضيق وقته ويتوقى عقله من تحصيل الحسنات والخيرات، ولذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «لا تحاسدوا فإن الحسد يأكل الايمان كما تأكل النار الحطب» (1) وإما بالجسد فلأنه يعرض له عند حدوث هذه الأعراض الشنيعة والأمراض الردية طول السهر وسوء الاغتذاء ويعقب ذلك رداءة اللون وسوء السحنة وفساد المزاج والقوى (والسلامة في الدين) من الآفات النفسانية والوساوس الشيطانية (فليتضرع إلى الله عز وجل في مسئلته بأن يكمل عقله) أي علمه أو جوهره المجرد القابل (2) له وفيه دلالة على أن العقل موهبة الهية وعطية ربانية لا يزداد ولا يكمل إلا بعنايته، وعلى أنه سبب للأمور الثلاثة المذكورة أما للثاني فلان العاقل الكامل يعلم أن الحسد لا ينفعه بل يضره وأنه صفة موجبة للمقت من الله جل شأنه لعلمه بأن الحاسد مضاد لإرادته لأنه تعالى هو المتفضل للكل وهو المفيض للخير إلى كل أحد بما يليق به ويصلح له فيعلم أن كلا من الإعطاء والمنع وقع على وفق الحكمة والمصلحة فيطمئن قلبه بقسمة ربه، وأما للثالث فلأن العاقل يعلم بنور عقله طريق الحق وكيفية سلوكه إلى حضرة القدس ويعلم آفات الدين وكيفيته اجتنابه عن تلك الآفات ويعمل بمقتضى عقله الصريح وذهنه الصحيح فيتم له بهذين العلمين مع العمل نظام الدين وكمالاته، ويسلم عن مفاسده وآفاته.
وأما للأول فلما أشار إليه بقوله (فمن عقل قنع بما يكفيه) لأن العاقل إذا نظر إلى جلال الله وآثار ملكه وملكوته وإلى أحوال الآخرة وما فيها من المقامات العالية واللذات الروحانية وإلى ما حصل له