شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٥٥
عند الله (عملك وقد شغلت قلبك عن أمر ربك وأطعت هواك على غلبة عقلك) بالتسليط المذكور في الكلام المتقدم يعني لا يكون عملك طاهرا ومطهرا أو ناميا زاكيا عند الله تعالى وأنت على هذه الصفة لأنك إذا قمت بين يديه ولا يكون قلبك متوجها إليه بل يكون شاغلا عن أمر الله وفارغا عن ذكر الله وغافلا عن عظمة الله وتاركا لأحكام العقل ومقتضاها وتابعا للنفس الأمارة وهواها كنت تعبد بحسب الظاهر إلها وبحسب الحقيقة إلها آخر لأن أصل العبادة هو الطاعة والانقياد ولذلك جعل الله سبحانه اتباع الهوى والانقياد له عبادة فقال جل شأنه (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه) وجعل طاعة الشيطان عبادة له فقال: (ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان) وفي بعض الروايات «إن إطاعة أهل المعاصي عبادة لهم» (1) «وإن من أصغى ناطق فقد عبده فإن كان الناطق يؤدي عن الله فقد عبد الله وإن كان يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان» (2) وهذا هو الشرك الخفي عند العارفين ولئن نزلنا عن ذلك فلا شبهة في أنه يفوتك حينئذ حقيقة العبادة وروحها الذي به تصعد العبادة إلى الدرجة العليا والمرتبة العظمى من الشرف والقبول فلا يكون عبادتك مأمونة عن طرء البطلان ولا مصونة عن شوائب النقصان ولا قابلة للزيادة والنماء عند ما يأخذ العابد بواحدة عشرة أمثالها أو ما زاد في يوم الجزاء.
فلا بد لك أيها العاقل أن تقتل هواك بسيف عقلك وتوجه قلبك إلى أمر ربك وتعبده كأنك تراه، وهذه المرتبة مقام المشاهدة وفي أعلى منازل العابدين ولو لم يكن لك هذه المرتبة فلا أقل تعبده وفي قلبك أنه يراك وهذه المرتبة مقام المراقبة وهي أوسط منازل المقربين ومع ذلك تكون خايفا خاشعا متضرعا راجيا إلى رحمته لعلك تكون من المفلحين، وفي هذا الكلام دلالة واضحة على أن قبول الأعمال وصلاحها وكمالها وطهارتها ونموها إنما هو بالعقل الكامل المتأمل في عظمة الله وقدرته وسطوته وسلطنته وغلبته على جميع الممكنات، وأما الجاهل المغرور المطيع للنفس وهواها الغافل عن أوامر ربه ومقتضاها فهو عبد لئيم، وعمله ساقط هابط سقيم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
(يا هشام الصبر على الوحدة علامة قوة العقل) لأن الإنسان مدني بالطبع وله ميل إلى بني نوعه في التأليف والتودد والاستيناس بهم والمشاركة معهم في طلب المعاش وساير ما يحتاج إليه فإذا ترك

١ - روى الكليني في الكافي كتاب الايمان والكفر باب الشرك تحت رقم ٨ عن أبي عبد الله (عليه السلام) «من أطاع رجلا في معصية الله فقد عبده».
٢ - رواه الحسن بن علي بن شعبة في تحف العقول ص ٤٥٦ عن أبي جعفر الثاني (عليه السلام) وفيه «إبليس» مكان «الشيطان» في الموضعين.
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»
الفهرست