شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١١٩
وتوجب النجاة من النار كما قال: (ثم ننجى الذين اتقوا) وتوجب الخلود في الجنة كما قال:
(اعدت للمتقين) وبالجملة هي حكمة عملية مركبة من العلم والعمل توجب محبة صاحبها لله تعالى ومحبة الله تعالى لصاحبها ولا تحصل إلا بمعرفة مصالح الجوارح والأعضاء ومفاسدها واكتساب الأول وترك الثاني وذلك بأن يعرف مثلا مصالح القلب ومفاسدها ويكتسب العقائد الصحيحة ويجتنب عن العقائد الذميمة ويعرف مصالح اللسان ومفاسده ويكتسب الأقوال الصحيحة ويجتنب عن الأقوال الباطلة وعلى هذا القياس في ساير الأعضاء ولا يكفي العمل بدون العلم لأنه يوجب الخطأ والبعد عن الحق كثيرا ما، ولا العلم بدون عمل فإن من به داء وعلم أن هذا الدواء ينفعه وذاك يضره واستعمل الثاني وترك الأول لا ينفعه علمه بل يصير سببا لذمه ولومه عرفا وشرعا بل اللوم عليه أشد وأعظم من لوم الجاهل بمنافع الدواء ومضاره، كما يرشد إليه قول مولانا الصادق (عليه السلام): يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد (1).
إذا عرفت هذا فانظر إلى العقل كيف فضله الله تعالى وشرفه حيث جعله حاكما على أفعال جميع الجوارح والأعضاء يميز بين صحيحها وسقيمها وحسنها وقبيحها، ويقبل الصحيح والحسن ويرد السقيم والقبيح حتى يحصل له بذلك السلطنة العظمى والفضيلة الكبرى وهي الوصول إلى غاية مدارج الزهد ونهاية مناهج التقوى، فيمشى على بساط الحق في الآخرة والأولى. وإلى العاقل كيف عظمه وكرمه حيث جعله مخاصبا بهذا الوعظ الشريف والخطاب المنيف تنبيها على تمامه وكماله وإنافة رتبته وحاله وعلى أنه ينتفع به دون غيره ممن صار لقوة جهله وضعف عقله ذليلا وفي عدم صلاحية الخطاب كالأنعام بل هو أضل سبيلا.
(يا هشام ثم خوف الذين لا يعقلون) أي خوف الذين لا يستعملون عقولهم في الاتعاظ بأحوال الماضين والاعتبار من استيصالهم للشرك وارتكاب المعاصي والقبايح ولا يتبعون الرسول فيما جاء به من التوحيد والصفات وغيرهما من المعارف والشرايع.
(عقابه) بتدمير أمثالهم وإنزال الرجز عليهم من السماء ليمتنعوا عن الأعمال الشنيعة والأفعال القبيحة فقال عز وجل (ثم دمرنا الآخرين) بعد تنجية لوط وأهله إلا امرأته فإنها كانت من الغابرين، وكيفية تدميرهم أنه اقتلع جبرئيل (عليه السلام) قريتهم لسوء صنيعتهم بجناحه من سبع أرضين ومعه من الملائكة ميكائيل وإسرافيل وكروبيل، ثم رفعها حتى سمع أهل السماء الدنيا نباح الكلاب وصياح الديكة، ثم قلبها وأمطر عليها وعلى من حولها حجارة من سجيل (وإنكم) يا أهل مكنة أو أهل الضلالة (لتمرون) في متاجرتكم ومسافرتكم إلى الشام (عليهم) أي على منازلهم فإن قريتهم

١ - سيأتي في كتاب العلم ان شاء الله تعالى.
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»
الفهرست