شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٢٢
كسرت وضربت تارة أخرى بذلك القالب ليست عين الأولى ولا غيرها» (1) وبالجملة ما من صورة في الدنيا إلا وله حقيقة في عالم العقول والآخرة (2) وما من معنى حقيقي فيهما إلا وله مثال وصورة في الدنيا ولا يعلم ذلك إلا العلماء الراسخون في العلم الناظرون إليها بنور العقل، وأما الجهال فهم الغافلون عن ذلك ولا يعلمون إلا ما هو ظاهر محسوس بل لا يدر كون من الظواهر إلا ما يدركه سائر البهائم فأولئك كالأنعام بل هم أضل سبيلا.
(يا هشام ثم الذين لا يعقلون) مدارك أصول العقايد ولا يفهمون ما نطقت به الشريعة من فروع القواعد (فقال: إذا قيل لهم) الضمير للناس في قوله تعالى: (يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان) على سبيل الالتفات من الخطاب إلى الغيبة للتنبيه على بعدهم عن رتبة الخطاب بسبب سلوكهم طريق التقليد الذي هو خارج عن منهج الصواب وإنما عقب الآية المذكورة بهذا الذم للتنبيه على التقليد من جملة خطوات الشيطان (اتبعوا ما أنزل الله) قيل المأمورون بالاتباع هم المشركون فالموصول حينئذ عبارة عن القرآن وما اشتمل عليه من أصول الشرايع وفروعها ومواعظها ونصائحها مما ينتظم به نظام الدنيا والآخرة.
وقيل: هم طائفة من اليهود دعاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الإسلام فالموصول على هذا يشمل التورية أيضا لأن التورية أيضا تدعو إلى الإسلام والاقرار بنبينا (صلى الله عليه وآله) وبما أنزل الله سبحانه إليه (قالوا: بل نتبع

1 - راجع بحار الأنوار المجلد الثالث باب اثبات الحشر وكيفيته ص 190 إلى 200.
2 - قوله «في عالم العقول والآخرة» ما في عالم العقول وعالم الآخرة حقيقة وما في الدنيا صورة لها وتلك الحكم والمصالح والجمال التي نراها في الموجودات الدنيوية ليست إلا ظلا لوجود حقايقها في ذلك العالم ترى أن الخاتم إذا كانت كتابته حسنة جيدة كان النقش الذي يرتسم به على القرطاس خطا حسنا وظل الجسم مثله في الشكل كذلك كل موجود في الدنيا كالنقش في القرطاس من خاتم روحاني ولا يعرف ذلك إلا الراسخون في العلم وسائر الناس يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون وأين الطبيعة من نقش ألوان ريش الطاووس لولا أن ذلك عكس لعاكس جميل روحاني بدا صورته فيه كنقش الخاتم ولذلك نقول لا قبيح ولا شر في الوجود كما مر، ويتبادر إلى الذهن من هذه العبارة ان عالم العقول وعالم الآخرة واحد في مقابل الدنيا وأن حقيقة واحدة تكون في الدنيا مثالا وصورة، وفي الآخرة أو عالم العقول معنى حقيقيا وربما يتوهم الجاهل من اتال هذه العبارات أن قائلها معتقد للمعاد الروحاني فقط دون الجسماني إذ جعل عالم الآخرة عالما عقليا وأن عالم الأجسام عنده هو الدنيا دون الآخرة وليس مرادهم نفى المعاد الجسماني قطعا بل الشارح وأترابه قائلون بتجسم الأعمال والمعاني المجردة والاعتقادات في الآخرة كما مر التصريح به منه وسيصرح به أيضا وتعبيراتهم هنا مبنية على ذلك فأجسام عالم الآخرة باعتبار ان منشأ وجودها هو الأعمال الصالحة والملكات الحسنة أمر حقيقي معنوي وباعتبار أنفسها أجسام أخروية أيضا والأجسام الدنيوية تحفظ حقيقتها وماهيتها في الآخرة وتبطل عنها صورتها ومثالها الدنيوي كما مثل باللبنة المضروبة بقالب فإنها إذا كسرت بطلت عنها صورتها الأولى ويبقى حقيقتها وهي الطين فيضرب بصورة أخرى غير الصورة الدنيوية (ش).
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»
الفهرست