شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٢١
وعدم انفكاك أحدهما عن الآخر وإنما آكده مع ظهوره دفعا لتوهم ما هو المتعارف عند الجمهور حيث يقولون لمن له روية وكياسة في أمور الدنيا أنه عاقل فإن تلك الروية ليست بعقل بل هي شيطنة ونكراء، وما هو المتعارف عندهم أيضا حيث يطلقون العقل على الغريزة التي يتميز الإنسان بها عن البهائم فإن ذلك يتحقق في الصبيان والجهال مع أنهم معزولون عن المدح والكمال بل المراد به ذلك النور الذي لا يفارق العلم والعرفان والعقلاء هم العلماء الربانيون والحكماء الإلهيون (1) الذين قال الله تعالى في شأنهم (يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا) فقال (وتلك الأمثال) لما مثل سبحانه حال الذين اتخذوا من دون الله أولياء واتكلوا عليهم واعتمدوا بهم بحال العنكبوت اتخذت بيتا في الوهن والضعف فكما أن الثاني لا يقي الحر والبرد وينهدم بورود أدنى شئ عليه كذلك الأول لا يدفع حر العذاب عنهم يوم القيامة ولا يقيهم شر ذلك اليوم ولا ينهدم أساسه بالكلية بورود صرصر غضب الله عليهم عقبه بقوله وتلك الأمثال إشارة إلى المثل المذكور ونظايره من الأمثال المذكورة في القرآن المجيد (نضربها للناس) تقريبا لما بعد من أفهامهم وتفهيما لما شرد عن أذهانهم إذ المثل يبرز المعقول بصورة المحسوس وذلك أسهل في التفهيم وأجدر في التعليم لمن ألف طبعه بالمحسوسات واشمأز عقله عن المعقولات. ولذلك قال سيد المرسلين (نحن معاشر الأنبياء امرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم) (2) (وما يعقلها إلا العالمون) لأنهم يعرفون بنور بصيرتهم وضياء سريرتهم حسن مبانيها ولطف معانيها وكيفية ارتباطها بالمقصود وطريق دلالتها على المطلوب وينتقلون من ظاهرها إلى باطنها ومن محسوسها إلى معقولها بل يجدون عالم المحسوس كله مثالا لعالم المعقول ويعلمون أن كل صورة محسوسة في هذا العالم لها صورة حقيقية وحقيقة عقلية في العالم المعقول يرشد إلى ذلك ما نقل عن أبي جعفر (عليه السلام) حين سأله النصراني فقال له: أخبرني عن أهل الجنة كيف صاروا يأكلون ولا يتغوطون أعطني مثلهم في الدنيا فقال (عليه السلام): «هذا الجنين في بطن أمه يأكل مما تأكل أمه ولا يتغوط» (3) وما نقل عن بعض أئمتنا (عليه السلام) حين سئل عن الأجساد المعادة يوم القيامة هل هي عين الأول أو غيره قال: لاعينه ولا غيره، فقيل: أخبرني عن مثله في الدنيا فقال مثل اللبنة المضروبة بقالب مخصوصة فإنها إذا

1 - قوله: «والحكماء الإلهيون» مدح الحكماء وتعظيم الحكمة لا ينافي ما تقدم منه وما يأتي في بعض عباراته من تخطئة الفلاسفة، لأن الغرض من ذم الفلاسفة المقلدة منهم كما ذكرنا لا الذين يستمعون القول ويتبعون أحسنه. والحكماء أنفسهم يتبرمون ممن يتناول الحكمة وليس له بأهل وليس له هم إلا حفظ الاصطلاح وسماهم الفارابي الفيلسوف البهرج. (ش) 2 - الكافي كتاب العقل والجهل - ح 15.
3 - رواه الراوندي في الخرائج والجرائح ص 197 في حيث طويل.
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»
الفهرست