ما ألفينا) أي ما وجدنا (عليه آباؤنا) قدم الظرف على المفعول به لقرب المرجع أو لقصد الحصر أو للاهتمام لاشتماله على ضمير دينهم الذي هو مستحسن عندهم (أولو كان آباؤهم) الهمزة لانكار فعل مقدر والتعجب منه والواو للحال ومعناه أيتبعون آباءهم والحال أن آباءهم (لا يعقلون شيئا) من الحق مثل صفات الواجب وأفعاله وكتبه ورسله وما جاء به رسله مما يكمل به نظام الخلق عاجلا وآجلا (ولا يهتدون) إليه لعميان بصيرتهم وفقدان ضياء سريرتهم ويجوز أن يكون الواو للعطف على ذلك المقدر وجزاء الشرط محذوف ومعناه لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون لا تبعوهم.
والآية تدل على وجوب النظر والمنع من التقليد أعني الرجوع إلى الغير والأخذ منه بغير بصيرة مطلقا، خرجت الفروع بالإجماع كما قيل، فبقيت الأصول مندرجة تحت المنع هذا إذا لم يعلم ذلك الغير صادقا محقا وإما إذا علم كالأنبياء والأوصياء فاتباعه واجب ولا يسمى ذلك تقليدا في العرف بل هو اتباع لما أنزل الله. قيل: وجوب النظر شرعا محال لأنه لو وجب النظر فأما على العارف وهو تحصيل الحاصل، أو على غيره وهو دور لتوقف وجوب النظر على معرفة إيجاب الله إياه وهي متوقفة على معرفة ذاته وهي متوقفة على معرفة وجوب النظر. وأجيب بأن معرفة إيجابه متوقفة على معرفة ذاته باعتبار ما وبوجه من الوجوه والمتوقف على وجوب النظر هو معرفة ذاته بوجه أتم.
أقول: هذا لو تم فإنما يتم في وجوب النظر على صفاته وأفعاله وآثاره وأما على أصل وجوده فلا لأن معرفة إيجابه متوقفة على معرفة ذاته والتصديق بوجوده كما لا يخفى والأحسن أن يقال معرفة ذاته لا يتوقف على وجوب النظر لجواز حصولها بالنظر وإن لم يجب. ومنهم من أوجب التقليد في الأصول وحرم النظر لأن الشبهات في الأنظار كثيرة والنظر مظنة الوقوع (1) في الضلالة وهي في