شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٢٣
ما ألفينا) أي ما وجدنا (عليه آباؤنا) قدم الظرف على المفعول به لقرب المرجع أو لقصد الحصر أو للاهتمام لاشتماله على ضمير دينهم الذي هو مستحسن عندهم (أولو كان آباؤهم) الهمزة لانكار فعل مقدر والتعجب منه والواو للحال ومعناه أيتبعون آباءهم والحال أن آباءهم (لا يعقلون شيئا) من الحق مثل صفات الواجب وأفعاله وكتبه ورسله وما جاء به رسله مما يكمل به نظام الخلق عاجلا وآجلا (ولا يهتدون) إليه لعميان بصيرتهم وفقدان ضياء سريرتهم ويجوز أن يكون الواو للعطف على ذلك المقدر وجزاء الشرط محذوف ومعناه لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون لا تبعوهم.
والآية تدل على وجوب النظر والمنع من التقليد أعني الرجوع إلى الغير والأخذ منه بغير بصيرة مطلقا، خرجت الفروع بالإجماع كما قيل، فبقيت الأصول مندرجة تحت المنع هذا إذا لم يعلم ذلك الغير صادقا محقا وإما إذا علم كالأنبياء والأوصياء فاتباعه واجب ولا يسمى ذلك تقليدا في العرف بل هو اتباع لما أنزل الله. قيل: وجوب النظر شرعا محال لأنه لو وجب النظر فأما على العارف وهو تحصيل الحاصل، أو على غيره وهو دور لتوقف وجوب النظر على معرفة إيجاب الله إياه وهي متوقفة على معرفة ذاته وهي متوقفة على معرفة وجوب النظر. وأجيب بأن معرفة إيجابه متوقفة على معرفة ذاته باعتبار ما وبوجه من الوجوه والمتوقف على وجوب النظر هو معرفة ذاته بوجه أتم.
أقول: هذا لو تم فإنما يتم في وجوب النظر على صفاته وأفعاله وآثاره وأما على أصل وجوده فلا لأن معرفة إيجابه متوقفة على معرفة ذاته والتصديق بوجوده كما لا يخفى والأحسن أن يقال معرفة ذاته لا يتوقف على وجوب النظر لجواز حصولها بالنظر وإن لم يجب. ومنهم من أوجب التقليد في الأصول وحرم النظر لأن الشبهات في الأنظار كثيرة والنظر مظنة الوقوع (1) في الضلالة وهي في

١ - قوله: «مظنة الوقوع في الظلالة» قال العلامة المجلسي في كتاب حق اليقين ما معناه «اختلفوا في أنه يشترط في الإيمان اليقين أو يكفي الظن القوي وأيضا في انه يجب ان يكون بالدليل أو يجوز فيه التقليد وهذان الخلافان متقاربان وظاهر كلام العلامة وأكثر العلماء أنه يجب تحصيل اليقين بالبرهان وبعضهم ادعى الإجماع عليه إلى أن قال في صدر الإسلام كانوا يكلفون الناس باظهار العقائد ويأمرونهم بالطاعات والعبادات ولا يعرضون عليهم دليل الدور والتسلسل لأنه مادة التشكيك ولذلك نرى بعض العباد والزهاد الذين لم يمارسوا تلك العلوم يقينهم أكمل من أكثر المدققين من العلماء الذين صرفوا أكثر عمرهم في الشكوك والشبهات» إلى آخر ما قال.
أقول: ولا ريب أن الصحيح ما ذكره الشارح مع إنا لم نر أحدا نقل في كتاب حديث أو تاريخ أو سيرة ان رجلا من المسلمين في صدر الإسلام اكتفى في ايمان الكافر بالظن على ما ادعاه المجلسي رحمه الله وشعار المسلمين أشهد ان لا اله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ولفظ أشهد يدل على اليقين ولو قال الكافر أظن ظن قويا أن الله واحد وأظن أن محمدا (صلى الله عليه وآله) نبي لم يعد مسلما في عهد ووقت، فالاجماع على وجوب تحصيل اليقين حق والناس مفطورون على بطلان الدور والتسلسل وان لم يعرفوا اسمهما ولم يقدروا على تقرير دليل بطلانهما لفظا وان قال رجل ولدني ابني ضحك منه الناس لأنهم يبطلون الدور ولو قال انا املح الأطعمة كلا من الاخر من غير ان يكون لي ملح ضحكوا منه أيضا والعالم الذي ايمانه أضعف من العوام ليس عالما البتة بل هو حافظ للاصطلاحات من غير ان يفهم معناها وقد بين الشارح ذلك في شرح المقدمة أتم بيان (فليراجع صفحة 52 وما بعدها) (ش).
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»
الفهرست