ترك الشرك والاحسان بالوالدين واجب لا محرم، والجواب أن ايجاب ترك الشرك مستلزم لتحريم الشرك وإيجاب الاحسان بالوالدين مستلزم لتحريم إلا ساءة إليهما مع ما فيه الإشارة إلى أن ترك إساءتهما غير كاف بل لابد من الاحسان بهما والتفسير باعتبار اللازم. وفي ذكر الإحسان بهما عقيب النهي عن الشرك بالله دلالة واضحة على جلالة حق الوالدين على الولد لأن أعظم النعم على الإنسان نعمة الايجاد ونعمة التربية وللوالدين مدخل في كل واحد منهما كما يقتضيان عدم الشرك بالله كذلك يقتضيان عدم إساءتهما والاحسان بهما ولذلك قال الله سبحانه: «وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا - الآية» (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق) أي من أجل فقر (نحن نرزقكم وإياهم) فوجب على الوالدين تبقية الأولاد وتربيتهم والاتكال في رزقهم على الله. لا يقال:
يلزم جواز قتلهم عند عدم خوف الفقر لما تقرر من أن النفي والإثبات في الكلام راجعان إلى القيد لأنا نقول إذا لم يجز مع الفقر فعدم جوازه بدونه أولى فهذا من قبيل التنبيه بالأدنى على الأعلى على أن للتقييد فائدة أخرى هي زجرهم عما كانوا عليه من الخصلة الذميمة (ولا تقربوا الفواحش) في النهي عن قربها مبالغة في المنع منها (ما ظهر منها وما بطن) بدل من الفواحش، قيل: المراد بها الزنى سرا وعلانية: وقيل الكبائر مطلقا (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله) لما نهى أولا عن قتل الأولاد لعلة مذكورة نهى ههنا عن القتل مطلقا دفعا لتوهم الاختصاص. إن قلت: قتل النفس المحرمة داخل تحت الفواحش على تقدير عمومها فما الفائدة في ذكره على حدة؟ قلت: الفائدة هي الإشارة إلى تعظيمه وزيادة فظاعة عقوبته كما قال سبحانه (ومن قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها) (إلا بالحق) كالقود وقتل المرتد ورجم المحصن وغيرها مما ثبت جوازه بدليل منفصل، والاستثناء متصل إن كان عن القتل المطلق ومنقطع إن كان عن القتل المقيد بالتحريم، هذا وقال سيد الحكماء لعل معناه: ولا تميتوا النفس المجردة التي حرم الله موت ذاتها بالجهل.
وهو أعظم داهية من موت بدنها بهلاك الروح الحيواني إماتة الجهالة والغواية والإضلال والإبعاد عن سمت الرشد وسبيل القدس، ولا تخرجوها عن حياة جوهرها الحقيقية بالعلم والمعرفة إلا بحق سوء استعدادها الفطري ونقص جبلتها الغريزي (ذلكم) إشارة إلى ما مر ذكره مفصلا (وصاكم به) أي بحفظه ورعايته ولا يخفى ما في التعبير عن التكليف بالتوصية من اللطف المقرب إلى القبول (لعلكم تعقلون) فوايد هذه التكاليف وتبصرون بعيون البصائر منافعها المترتبة عليها في الدنيا والآخرة، فانظر أيها اللبيب كيف مدح الله سبحانه العقل والعقلاء الذين هم الغايات الذاتية للإيجاد