شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١١٨
يوجب معرفة القلب بحلاوة الإيمان وتفرغه للآخرة، كما قال الصادق (عليه السلام) «حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الإيمان حتى تزهد في الدنيا» (1) وقال: «ألا إنه حرام عليكم أن تجدوا طعم الإيمان حتى تزهدوا في الدنيا» (2) وقال: «كل قلب فيه شك أو شرك فهو ساقط وإنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة» (3) ومن ادعى رغبته في ثواب الآخرة وهو حريص على الدنيا فهو كاذب لأن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «علامة الراغب في ثواب الآخرة زهده في عاجل زهرة الدنيا أما إن زهد الزاهد في هذه الدنيا لا ينقص مما قسم الله عز وجل فيها وإن زهد، وإن حرص الحريص على عاجل زهرة الدنيا لا يزيده فيها وإن حرص، فالمغبون من حرم حظه من الآخرة» (4) إن الزهد بالمعنى المذكور عمل يتوقف على العلم بأحوال الدنيا وانقلابها وعدم ثباتها ودوامها والعلم بأحوال الآخرة ودوامها ودوام سعادتها وشقاوتها فإذا حصل هذا العلم وصار ملكة أمكن الوصول إلى مقام الزهد بتوفيق الله تعالى.
الثاني: في التقوى وقد فسره الصادق (عليه السلام): بأن لا يفقدك الله حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك (5)، وبعبارة أخرى ذكر الله عندما أحل وحرم فإن كان طاعة عمل بها وإن كان معصية تركها فهو عبارة عن فعل الطاعات وترك المنهيات والثاني أهم من الأول لأن الثاني يفيد في نفسه وينمو معه الأول وإن قل، والأول بدون الثاني لا ينفع كما صرح به صاحب العدة (6)، وفي خبر معاذ دلالة عليه ودل عليه أيضا روايات أخر، ثم التقوى خصلة عظيمة أوصى الله سبحانه بها الأولين والآخرين كما قال (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) وأثنى عليها كما قال: (وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) وهي توجب حفظ النفس والمال من الأعداء كما قال:
(وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا) وتوجب النصر من الله تعالى كما قال: (إن الله مع المتقين) وتوجب محبته كما قال: (إن الله يحب المتقين) وتوجب إكرامه كما قال: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وتوجب إصلاح العمل كم قال: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم) وتوجب قبول العبادة كما قال: (إنما يتقبل الله من المتقين) وتوجب البشارة عند الموت كما قال: (الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) وتوجب النجاة من شدايد الدنيا والرزق الحلال، كمال قال: (ومن يتق الله جعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) وتوجب تيسير الحساب كما قال: (وما على الذين يتقون من حسابهم من شئ)

١ - (١ و ٢ و ٣ و ٤) الكافي كتاب الايمان والكفر باب ذم الدنيا والحرص فيها تحت رقم ٢ و ١٠ و ٥ و ٦ على الترتيب.
٥ - المجلد الخامس عشر من بحار الأنوار ج ١٥ ص ٩٥ من القسم الثاني.
٦ - أي عدة الداعي لابن فهد الحلى - رحمه الله -.
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»
الفهرست