مماليكهم شركاؤهم في ملكهم لينتقلوا من ذلك إلى أنه لا ينبغي أن يكون مملوكه سبحانه شريكا له بالطريق الأولى أو تقريرهم وحملهم على الاقرار بما يعرفونه من عدم شركة المماليك لأن الاستفهام عن أمر معلوم للمخاطب يستلزم حمله على الإقرار بما هو معلوم له أو استبعاد أن يكون مماليكهم شركاؤهم لأن الاستفهام عن الشئ يستلزم به وهو يناسب استبعاد وقوعه، لأن ما هو قريب الوقوع شانه أن يكون معلوما والمقصود على التقادير كلها هو أنه إذا لم يكن مماليككم مع نقصانكم وشدة حاجتكم شركاءكم فيما لكم من أموالكم، مع أنهم مثلكم في الصورة والسيرة وقابلية التصرف لا يكون مماليك الحق جل شأنه مع شدة ضعفهم وكمال نقصهم شركاءه في الإلهية واستحقاق العبادة مع كمال قدرته ونهاية عظمته وعدم المشابهة بينه وبينهم بالطريق الأولى.
(كذلك) أي مثل ذلك التفصيل التمثيل الذي يرفع الحجاب ويكشف المعاني ويوضحها (نفصل الآيات) الدالة على وحدة الصانع واستحقاقه للعبادة دون غيره (لقوم يعقلون) أي يستعملون عقولهم الصحيحة في تدبر الأمثال ومعرفة حسن موقعها ومضربها والانتقال منها إلى المقصود، وفيه دلالة واضحة على شرف العقل وتعظيم العقلاء حيث جعل العقل باعثا لتفصيل الآيات في الكتاب والعاقل مقصودا من التكلم والخطاب لأنه ينتفع به دون غيره فلو لم يكن عقل ولا عاقل لم يكن تفصيل ولا خطاب بل لم يكن كون ولامكان ولا إيجاد ولا زمان.
(يا هشام ثم وعظ أهل العقل) وزهدهم عن الدنيا (ورغبهم في الآخرة) بعد دلالتهم على توحيد الذات والصفات بالآيات والبينات (فقال: وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو) شبه التقلب في الدنيا والأعمال المختصة بها باللعب واللهو وساعة قليلة لاشتراكهما في الأتعاب بلا منفعة وفي المنع عما يورث منفعة أبدية ولذة حقيقية من الأعمال للآخرة (وللدار الآخرة) خير من الدار الدنيا لعد زوالها ودوام منافعها ولذاتها بخلاف الدنيا. وذلك لأن الحقير الدايم خير من العظيم المنقطع فكيف إذا كان الأمر بالعكس (للذين يتقون) من الشرك والمعاصي، أو من الدنيا وزهرتها وأعمالها الشبيهة باللهو واللعب (أفلا تعقلون) التفاوت بين الدنيا والآخرة ولا تعلمون أن الآخرة خير من الأولى أو التفاوت بين أعمالها ولا تعلمون أن أعمال الأولى بمنزلة اللهو تعب بلا منفعة، وأعمال الثانية تورث منفعة دائمة غير منقطعة، والهمزة للإنكار وإنكار النفي إثبات والمعنى أنتم تعقلون هذا التفاوت فوجب عليكم أن لا تستبد لوا الذي هو أدنى بالذي هو خير والغرض من الآية ذكر فضيلة العقل، ونحن نقدم قبل بيانها الكلام في شيئين.
الأول: في الزهد في الدنيا وهو ضد الرغبة فيها وقد فسر الزهد في بعض الأحاديث بأنه الحب في الله والبغض في الله وترك طول الأمل وترك حطام الدنيا وزينتها وعدم الالتفات إلى حرامها وهو