بما لهم من الحكمة النظرية (1) التي هي إدراك السماوات والأرض وما بينهما من الأمور المذكورة والتصديق بأحوالها والانتقال منها إلى مبدعها، وفي هذه الآية بمالهم من الحكمة العملية التي هي العلم بأصول الشرايع وقوانينها والعمل بها للإشارة إلى أن كمال الإنسان إنما يحصل بتكميل القوة النظرية بصور الحقائق وتحليها بنور العرفان وتكميل القوة العملية بمعرفة الشرايع وتخليها عن الرذايل والنقصان ليحصل له بذلك البهجة والسرور الدنيوية والفوز بالسعادات الأبدية الأخروية (وقال:
هل لكم) هذا بعض آية صدرها (ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم) أي منتزعا ذلك المثل من أحوال أنفسكم التي هي أقرب الأمور إليكم فالاعتبار بحالها أولى و أقرب من الاعتبار بحال غيرها.
وإنما لم يذكره (عليه السلام) لأن ما ذكره لكونه مثلا لا يحتاج إليه ويتم المقصود بدونه وفيه دلالة على جواز الاستشهاد ببعض آية أو بعض حديث إذا كان تام الفائدة والمطلوب نفي شريك البارىء وهو كما يثبت بدلائل عقلية ونقلية توجب انتقال النفس من معقول صرف إلى معقول، وإذعانها بها كما مر من الآيات والبينات الظاهرة; كذلك يثبت بالأمثال الجزئية المحسوسة لأنها تكشف الممثل له وترفع الحجاب عنه وتبرزه في صورة المشاهد المحسوس ليساعد فيه الوهم والعقل ويتفقا عليه، فإن المعنى الصرف إنما يدركه العقل مع منازعة الوهم لأن الوهم من طبعه الميل إلى المحسوس وحكاية المعقول به، ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهية وفشت في عبارات البلغاء وإشارات الحكماء وكتب المصنفين مشحونة بذكر الأمثلة الجزئية لأن أكثر الافهام قاصرة عن إدراك حقيقة الشئ إلا في مادة مخصوصة محسوسة (مما ملكت إيمانكم) يعنى عبيدكم وإمائكم (من شركاء) «من» زائدة لتأكيد الاستفهام الجاري مجرى النفي (فيما رزقناكم) من الأموال (فأنتم فيه سواء) متفرع على الشركة وحمله على الاستفهام الإنكاري محتمل أيضا (تخافونهم كخيفتكم أنفسكم) حال عن «أنتم» أو عن ضمير المخاطبين في «رزقناكم» أي والحال أنكم تخافون من شركة مماليككم في أموالكم واستبدادهم بالتصرف فيها، كما يخاف الأحرار بعضها من بعض في ذلك، والاستفهام ليس محمولا على الحقيقة لأنه على الله سبحانه محال فوجب صرفه إلى المجاز وهو إما إنكار أن يكون