شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٣٠
إليه ولا يليق ذلك بالعاقل. الثالث: الغرض من الأمر والنهي ترويج الدين وهو بفعله يريد عدم ترويجه فقد جمع بين المتناقضين وهو غير واقع من العاقل. الرابع: الآمر لا محالة يريد نفاذ أمره في القلوب وفعله يوجب عدم نفاذه لأنه ينفر القلوب عن القبول فقد نقض مراده بفعله والعاقل لا يفعل ذلك ولذلك ورد «أن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا» (1). الخامس: أنه إذا أمر بشئ أظهر للناس علمه بذلك الشئ فإذا تركه كان لومهم به أشد وذمهم به أبلغ من لوم من تركه تجاهلا أو بلا علم، ولذلك ورد أن عقوبة العالم إذا لم يعمل أعظم من عقوبة الجاهل (2).
السادس: أنه بقوله يقول لهم افعلوا وبفعله يقول لهم لا تفعلوا فقد أتى بالمتناقضين والعقل يأباه. ثم المراد بالآية حث الواعظ على تزكية نفسه وتهذيبها والاقبال عليها بتقديسها وتكميلها ليقيمها أولا ثم يقيم غيره ولذلك كان بعث الأنبياء بعد تكميل نفوسهم القدسية، لأمنع الفاسق عن الوعظ كما زعم، لأنه مأمور بشيئين أحدهما ترك المعصية والثاني منع الغير منها والاخلال بأحد التكليفين لا يوجب الاخلال بالآخر، ودلالة الآية على النهي عن الجمع بينهما وتحريمه غير مسلمة لجواز أن يكون النهي راجعا إلى نسيان النفس مطلقا لا إلى نسيانها منضما إلى الأمر بالمعروف ويشعر بذلك قوله (عليه السلام) وقال: «وتنسون أنفسكم» حيث رتب الذم عليه ولم يذكر صدر الآية، وفيه دلالة أيضا على جواز الاستشهاد ببعض الآية إذا كان تام الفائدة فيفهم جواز ذلك في الحديث بالطريق الأولى.
(يا هشام ثم ذم الله الكثرة فقال: وإن تطع أكثر من في الأرض) في عقايدهم وأقوالهم وأعمالهم (يضلوك عن سبيل الله) إذ الحق له سبيل واحد لا يسلكه إلا العارف العالم الراسخ في علمه وورعه وهو قليل جدا وأما الباطل فله طرق متكثرة يسلكها أكثر من في الأرض على مطايا الغواية والجهالة ومراكب الغباوة والضلالة ويدعون إليها من اقتفى آثارهم وتتبع أطوارهم ولا يأمرونه إلا بما فيه هواهم ولا يرشدونه إلا إلى مقاصدهم ومناهم، كما دل عليه قوله تعالى (كل حزب بما لديهم فرحون) والآية كما دلت على أن إطاعة الأكثر سبب للضلالة كذلك دلت على أن مخالفتهم سبب للهداية وعلى هذا لا يجوز متابعة الأكثر إلا إذا كان هناك دليل على حقيتهم فالمتبع حينئذ هو الدليل دون الكثرة من حيث هي ولا يجور التمسك في الأحكام بمجرد الشهرة وكثرة القائلين بها ولا تأييدها به والله أعلم.
(وقال ولئن سألتهم) أي الذين يعبدون غير الله سبحانه (من خلق السماوات والأرض ليقولن

١ - سيأتي في كتاب العلم باب استعمال العلم تحت رقم ٣.
٢ - راجع باب «لزوم الحجة على العالم وتشديد الامر عليه» فيما يأتي من كتاب العلم.
(١٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 ... » »»
الفهرست