شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٢٠
وهي سدوم بفتح السين في طريقه بين القدس والكرك (مصبحين) أي داخلين في الصباح (وبالليل) أي بالمساء يعنى داخلين في هذا الوقت أو نهارا وليلا. قال القاضي وغيره: لعلها وقعت قريب منزل يمر بها المرتحل عنه صباحا والقاصد لها مساء (أفلا تعقلون) أي أفليس لكم عقل تعتبرون به وتعلمون أن تدميرهم وإهلاكهم لمعصية ربهم ومخالفة رسولهم لكي تطيعوا ربكم وتتبعوا رسولكم فيما جاء به من التوحيد والشرايع وتتركوا الشرك والمعصية وتنجوا من وبال الدنيا ونكال الآخرة، والإنكار للتوبيخ على عدم استعمالهم العقول في الاعتبار والاستبصار بمثل هذه الآية الجلية الدالة على وخامة حال أهل المعصية وقال (إنا منزلون) من الانزال على القراءة المشهورة وقرأ ابن عامر بالتشديد (على أهل هذه القرية) هي سدوم قرية قوم لوط (عليه السلام) وهذا خطاب الملائكة معه بدليل قوله تعالى قبله (ولما أن جاءت رسلنا لوطا سيئ بهم وضاق بهم ذرعا وقالوا لا تخف ولا تحزن إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك كانت من الغابرين) وإنما قدم التنجية على التعذيب لوجوه سنحت لي، الأول: أن التنجية من آثار الرحمة والتعذيب من آثار الغضب وقد سبقت رحمته غضبه.
الثاني: أن بشارة أحد بالنفع العايد إليه أدخل في السرور من بشارته بالضرر العايد إلى عدوه.
الثالث: أن في التنجية إشارة إجمالية إلى العذاب فإذا وقع العذاب بعده وقع بعد الطلب والواقع بعد الطلب أهم وأوقع في النفس وأدخل في التعظيم. الرابع: أن لا يتطرق الحزن إلى خاطره (عليه السلام) إذ لو قدم تعذيب أهل القرية على تنجية المؤمنين كان ذلك موهما ابتداء لتعميم العذاب وشموله كل من فيها (رجزا من السماء) أي عذابا واختلفوا فيه فقيل: هو حجارة من سجيل، وقيل: هو نار، وقيل: هو تقليب الأرض وجعل عاليها سافلها. والمراد بإنزاله إنزال مبدئه والقضاء به من السماء لاعينه (بما كانوا يفسقون) أي بسبب فسقهم. وفيه دلالة على استمرارهم فيه وعدم انزجارهم عنه أصلا، وإنما علل التعذيب بالفسق دون التنجية بالايمان ونحوه; لأن الرحمة بالذات فلا يحتاج التعليل بخلاف الغضب فإنه أمر عرضي نشأ لعلة (ولقد تركنا منها) أي من القرية (آية بينة) دالة على سوء عاقبة الفاسقين، قيل: هي حكايتها الشايعة، وقيل: هي آثار الديار الخربة، وقيل: هي الحجارة الممطورة بعد تقليب الأرض فإنها كانت باقية بعده، وقيل: هي الماء الأسود فإن أنهارها صارت مسودة (لقوم يعقلون) أي لقوم لهم عقل وبصيرة فيستبصرون ويعتبرون أن الفسق يوجب خراب الديار وعقوبة الدنيا والآخرة.
(يا هشام إن العقل مع العلم) المراد بالعقل هنا نور يعرف به حقائق الأشياء على ما هي عليه في نفس الأمر وهو العقل بالفعل أو العقل المستفاد، والعلم هو هذه المعرفة ولا خفاء في التلازم بينهما
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»
الفهرست