شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٢٩
متفاوتة بحسب تفاوت أغراضهم، ولذلك قيل: العقل فن واحد والجنون فنون، ويحتمل أن يكون المراد أنهم قوم لا يفقهون ما فيه صلاحهم وبقاء شملهم وإن تشتت قلوبهم يوجب وهنهم وافتراقهم، ففي الأول إشارة إلى علة التشتت وفي الثاني إلى عدم علمهم بغايته، ولك أن تجعل ذلك إشارة إلى شدة بأسهم بينهم واختيارهم قرى محصنة خوفا من المؤمنين يعني أن كل ذلك لعدم عقلهم إذ العقلاء لا بأس بينهم بل هم كنفس واحدة ولا يخافون إلا الله ولا يرهبون إلا منه، وهؤلاء أشد رهبة في صدرو المؤمنين من الله عز شأنه.
(وقال وتنسون أنفسكم) الواو للعطف على تأمرون في قوله تعالى (أتأمرون الناس بالبر) أو للحال عن ضمير الجمع والهمزة للتنبيه على الضلال أو للانكار والتوبيخ بمعنى لا ينبغي أن يكون ذلك أو للتعجب أو للتقرير والتثبيت، والبر الصلاح. وقيل الخير، وقيل التوسع في الخير من البر وهو الفضاء الواسع، وبالجملة هو يتناول كل خير والآية نزلت في جماعة كانوا يأمرون الناس بطاعة الله تعالى وهم كانوا يتركونها ويقدمون على المعاصي، وقيل: كانوا يأمرونهم بالصلاة والزكاة وهم كانوا يتركونهما، وقيل: نزلت في أحبار اليهود كانوا يأمرون من نصحوه في السر من الأقارب وغيرهم باتباع محمد (صلى الله عليه وآله) وهم لا يتبعونه، وقيل: كانوا يأمرون الناس قبل بعثة الرسول باتباعه فلما بعث أنكروه، وعلى التقادير لا يختص الذم بمن نزلت الآية فيهم بل يجري فيمن يقتفى أثرهم إلى يوم القيامة; لأنا قد بينا في أصول الفقه أن خصوص السبب لا يخصص الحكم، والمعنى أتأمرون الناس بما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة وتتركون أنفسكم منه كالمنسيات وتفعلون ما فيه فسادها فيهما (وأنتم تتلون الكتاب) أي القرآن على أن يكون الخطاب لطائفة من المسلمين فإن فيه وعيدا على ترك البر والصلاح ومخالفة القول للعمل مثل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون) أو التورية على تقدير أن يكون الخطاب لأحبار اليهود فإن الوعيد المذكور موجود في التورية أيضا; إذ الكتب الإلهية كلها نازلة لتكميل الخلق ومشتملة على ما فيه صلاحهم في الدارين. وأما تعميم الكتاب بحيث يشتمل الكتب المدونة في الأحكام كما زعم فغير مناسب إذ لم يعهد في القرآن إطلاق الكتاب عليها (أفلا تعقلون) أي أتصنعون ذلك فلا تعقلون قبحه وشناعته حتى يمنعكم عنه فكأنه لا عقل لكم إذ العقل يمنع عن الاقدام به.
ولقبح ذلك وجوه، الأول: أن من ارتكب ذلك كان قوله مناقضا لفعله وهو مستقبح من العاقل.
الثاني: أن الغرض من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إرشاد الغير والاحسان إليه والاحسان إلى نفسه أولى من الاحسان إلى الغير فمن أمر ولم يأتمر ونهى ولم ينته فقد ترك ما هو الأحسن بالنسبة
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»
الفهرست