شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ١ - الصفحة ١٢٨
إلى أن يتصل بملاء الروحانيين ويصير من أصحاب اليمين ويعد من السابقين، وإن كانت ملكة الرذايل والكفر والزندقة خالفت الصورة الظاهرة تلك الصورة الباطنة ويتنزل الإنسان بذلك إلى أسفل السافلين ويصير من أصحاب الشمال ويعد من الخاسرين، فصورته الظاهرة صورة إنسان وصورته الباطنة صورة كلب أو خنزير أو سبع أو شيطان أو أخس منها ولكن لا ترى هذه الصورة في الدار الدنيا لكونها دار التباس ودار تدليس ودار تكليف إلا من منحه الله سبحانه وتعالى بزيادة بصيرة قلبية بمجاهدات نفسانية ورياضات جسمانية ومكاشفات روحانية، فإنه قد يظهر له هذه الصورة على ما هي عليه في نفس الأمر لكن لامن حيث إنه في هذا العالم بل كأنه في عالم آخر بين العالمين (1) ولقد رأى بعض الصالحين - ممن اصدقه في عقايده وأعماله - جماعة من الناس في جنب كل واحد منهم كلب بحقيقة الكلبية وصورته، له ذنب واذن وعينان ورأس وفم وشعر مثل الكلب المشاهد. وأما دار الآخرة فلما كان موطن بروز الحقايق بصورها الذاتية بلا التباس يحشر بعض الناس على صورة القردة والخنازير أو الكلاب أو الذر، فأولئك لعدم المطابقة بين ظاهرهم وباطنهم وإبطالهم الحقيقة الانسانية وإفسادهم قوة الاستعداد للسعادة الاخروية أضل من الأنعام للمطابقة بين ظاهرها وباطنها وعدم إبطالها الحقيقة الحيوانية والقوة الاستعدادية.
(وقال لا يقاتلونكم) ضمير الخطاب للرسول ومن معه من المؤمنين وضمير الغائب لليهود والمنافقين إذ وعد المنافقون اليهود بالنصرة على قتال المؤمنين (جميعا) أي مجتمعين في محاربتكم (إلا في قرى محصنة) بالحصون والقلاع والدروب والخنادق (أو من وراء جدر) لشدة رهبتهم منكم، ولما توهم منه أن يكون ذلك لضعف حالهم وقلة عدتهم وعدتهم دفعه على سبيل التكميل بقوله (بأسهم بينهم شديد) يعني ليس ذلك لضعف حالهم وقلة شوكتهم إذ يشد بأسهم إذا حارب بعضهم بعضا بل لأن الله تعالى قذف الرعب في قلوبهم والرهبة في صدورهم (تحسبهم جميعا) أي مجتمعين في الحاربة متفقين على الالفة والمحبة (وقلوبهم شتى) أي متفرقة غير متفقة في الأمر لاختلاف عقايدهم وافتراق مقاصدهم، وذلك يوجب اختلافهم في الأمور وفيه تقوية للمؤمنين وتحريضهم على القتال (ذلك) أي تشتت قلوبهم وهذا وإن كان معنى غير محسوس لكن لظهور آثاره أعني تباين كلمتهم وافتراق شملهم صار بمنزلة المحسوس فاستحق الإشارة إليه (بأنهم) أي بسبب أنهم (قوم لا يعقلون) إذ العقلاء متوافقون في أمر ظاهرا وباطنا وقلوبهم غير متفرقة فيه; لأن دينهم واحد بخلاف الجهلاء، لأن طرق الجهل متعددة فلا جرم قلوبهم متفرقة

1 - وهو عالم البرزخ المتوسط بين العالم المادي المحسوس وعالم الآخرة وصور عالم البرزخ ذات مقدار مجرد عن المادة بخلاف صور هذا العالم فإنها مادية وبخلاف صور العالم الروحاني المجرد عن كل شئ (ش).
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»
الفهرست