لخلق الإنسان (ولعلكم تعقلون) ما في هذه الأحوال العجيبة والأطوار الغريبة من العبر والحجج الدالة على أنه سبحانه هو الذي خلقكم على أطوار مختلفة وخلق مادتكم وأصولكم من الأشياء المذكورة وأودع الحياة فيها وأبدعها، ثم أبقاكم إلى أجل مقدر، وإن من كان قادرا على ذلك فهو قادر على جميع تلك المواد وإحيائها ثانيا فالآية الكريمة دليل على التوحيد والبعث جميعا. وقيل:
معناه لعلكم تصيرون بعد هذه الأحوال عاقلا كاملا بالفعل فيكون إشارة إلى أن غاية الخلقة وآخر النشأة والأطوار هي صيرورة الإنسان جوهرا عقليا (1).
والحاصل أنه إشارة إلى أن غاية هذه الأكوان وجود العقل وذات العاقل مع قطع النظر عن تعقله وقال: (إن في اختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق) أي من ماء وإطلاق الرزق على الماء من باب الحقيقة بالنظر تفسيره لغة وعرفا قال الجوهري: الرزق ما ينتفع به. وقالت الأشاعرة: هو كل ما ينتفع به حي غذاء كان أو غيره حلالا كان أو حراما ومنهم من خصه بالأغذية والأشربة فيخرج نحو اللباس والهواء الذي ينتفع به المتنفس. وقالت المعتزلة: هو كل ما صح أن ينتفع به حي بالتغذي وغيره وليس لأحد منعه منه فيخرج الحرام فالماء رزق على هذه التفاسير لأنه مما ينتفع به. ويحتمل أن يكون من باب المجاز تسمية السبب باسم المسبب، ويؤيده قول الجوهري وقد يسمى المطر رزقا، وذلك قوله عز وجل: (وما أنزل لكم من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها) (وفي السماء رزقكم) وهو اتساع في اللغة كما يقال: التمر في قعر القليب يعنى به سقى النخل (فأحيا به الأرض بعد موتها) الظاهر أن المراد بالأرض والرزق معناهما الحقيقي ويحتمل أن يراد بالأرض القلب لاشتراكهما في قبول الحياة وبالرزق العلم لاشتراكهما في السببية للحياة. قال ابن الأثير في النهاية: الأرزاق نوعان ظاهرة للأبدان كالأقوات وباطنة للنفوس والقلوب كالمعارف والعلوم وقد شاع في القرآن العزيز وكلام الحكماء نسبة الحياة بالعلم، والموت بالجهل القلب (وتصريف الرياح (والسحاب المسخر بين السماء والأرض) (2) لآيات لقوم يعقلون) أي يفهمون تلك الأيات بعقولهم الصافية ويستدلون بها علي وجوده جل شأنه ووحدته وعلمه وقدرته وحكمته، وقد ذكرنا سابقا ما يناسب هذا المقام.
وقال (يحي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون وقال (وجنات) جمع جنة وهي البستان سمي بها لاجتنانه واستتاره بالأشجار والأغصان والأوراق وهذا التركيب دل على