يوذاسف: قد سررت بهذا الحديث جدا، فزدني من نحوه أزدد سرورا و لربي شكرا.
قال الحكيم: زعموا أنه كان ملك من الملوك الصالحين وكان له جنود يخشون الله عز وجل ويعبدونه، وكان في ملك أبيه شدة من زمانهم والتفرق فيما بينهم و ينقص العدو من بلادهم، وكان يحثهم على تقوى الله عز وجل وخشيته والاستعانة به ومراقبته والفزع إليه، فلما ملك ذلك الملك قهر عدوه واستجمعت رعيته وصلحت بلاده وانتظم له الملك، فلما رأى ما فضل الله عز وجل به أترفه ذلك وأبطره وأطغاه حتى ترك عبادة الله عز وجل وكفر نعمه، وأسرع في قتل من عبد الله ودام ملكه و طالت مدته حتى ذهل الناس عما كانوا عليه من الحق قبل ملكه ونشوه وأطاعوه فيما أمرهم به وأسرعوا إلى الضلالة، فلم يزل على ذلك فنشأ فيه الأولاد وصار لا يعبد الله عز وجل فيهم ولا يذكر بينهم اسمه، ولا يحسبون أن لهم إلها غير الملك، وكان ابن الملك قد عاهد الله عز وجل في حياة أبيه إن هو ملك يوما أن يعمل بطاعة الله عز وجل بأمر لم يكن من قبله من الملوك يعملون به ولا يستطيعونه، فلما ملك أنساه الملك رأيه الأول ونيته التي كان عليها، وسكر سكر صاحب الخمر، فلم يكن يصحو ويفيق (1). وكان من أهل لطف الملك رجل صالح أفضل أصحابه منزلة عنده، فتوجع له مما رأى من ضلالته في دينه ونسيانه ما عاهد الله عليه، وكان كلما أراد أن يعظه ذكر عتوه وجبروته ولم يكن بقي من تلك الأمة غيره وغير رجل آخر في ناحية أرض الملك لا يعرف مكانه ولا يدعى باسمه.
فدخل ذات يوم على الملك بجمجمة قد لفها في ثيابه، فلما جلس عن يمين الملك انتزعها عن ثيابه فوضعها بين يديه ثم وطئها برجله فلم يزل يفركها (2) بين يدي الملك وعلى بساطه حتى دنس مجلس الملك بما تحات من تلك الجمجمة، فلما رأى الملك ما صنع غضب من ذلك غضبا شديدا، وشخصت إليه أبصار جلسائه واستعدت الحرس بأسيافهم