إلى أصلي وحسبي، فأما والدي فإنه إذا أبصر الياقوتة طابت نفسه، فإذا أبصر كسوني عليك ذكرني وذكر حبي لك ومودتي إياك، فمنعه ذلك أن يأتي إليك مكروها.
ثم رجع وزيره وتقدم يوذاسف أمامه يمشي حتى بلغ فضاء واسعا فرفع رأسه فرأى شجرة عظيمة على عين من ماء أحسن ما يكون من الشجر وأكثرها فرعا وغصنا وأحلاها ثمرا، وقد اجتمع إليها من الطير ما لا يعد كثرة، فسر بذلك المنظر وفرح به، وتقدم إليه حتى دنا منه، وجعل يعبره في نفسه ويفسره فشبه الشحر بالبشرى التي دعا إليها وعين الماء بالحكمة والعلم، والطير بالناس الذين يجتمعون إليه و يقبلون منه الدين، فبينا هو قائم إذا أتاه أربعة من الملائكة عليهم السلام يمشون بين يديه فأتبع آثارهم حتى رفعوه في جو السماء وأوتي من العلم والحكمة ما عرف به الأولى والوسطى والأخرى، والذي هو كائن، ثم أنزلوه إلى الأرض وقرنوا معه قرينا من الملائكة الأربعة فمكث في تلك البلاد حينا ثم إنه أتى أرض سولابط فلما بلغ والده قدومه خرج يسير هو والاشراف فأكرموه وقربوه، واجتمع إليه أهل بلده مع ذوي قرابته وحشمه وقعدوا بين يديه وسلموا عليه وكلمهم الكلام الكثير وفرش لهم الأساس وقال لهم: اسمعوا إلي بأسماعكم وفرغوا إلي قلوبكم لاستماع حكمة الله عز وجل التي هي نور الأنفس وثقوا بالعلم الذي هو الدليل على سبيل الرشاد، وأيقظوا عقولكم وافهموا الفصل الذي بين الحق والباطل، والضلال والهدى.
واعلموا أن هذا هو دين الحق الذي أنزله الله عز وجل على الأنبياء والرسل عليهم السلام، والقرون الأولى، فخصنا الله عز وجل به في هذا القرن برحمته بنا ورأفته رحمته وتحننه علينا وفيه خلاص من نار جهنم إلا أنه لا ينال الانسان ملكوت السماوات ولا يدخلها أحد إلا بالايمان وعمل الخير، فاجتهدوا فيه لتدركوا به الراحة الدائمة والحياة التي لا تنقطع أبدا ومن آمن منكم بالدين فلا يكونن إيمانه طمعا في الحياة ورجاء لملك الأرض وطلب مواهب الدنيا، وليكن إيمانكم بالدين طمعا في ملكوت السماوات ورجاء للخلاص وطلب النجاة من الضلالة وبلوغ الراحة