أحدا إلا من هويته ورضيته، وبني لها غرفة عالية مشرفة على الطريق فهي فيها جالسة تنظر إلى كل من أقبل وأدبر، فبينما هي كذلك إذ نظرت إلى الغلام يطوف في السوق وصاحبه معه في خلقانه، فأرسلت إلى أبيها إن قد هويت رجلا فإن كنت مزوجي أحدا من الناس فزوجني منه وأتيت أم الجارية فقيل لها: إن ابنتك قد هويت رجلا وهي تقول كذا وكذا، فأقبلت إليها فرحة حتى تنظر إلى الغلام فأروها إياه فنزلت أمها مسرعة حتى دخلت على الملك، فقالت: إن ابنتك قد هويت رجلا فأقبل الملك ينظر إليه، ثم قال: أرونيه فأروه من بعد فأمر أن يلبس ثيابا أخرى ونزل فسأله واستنطقه وقال: من أنت ومن أين أنت؟ قال الغلام: وما سؤالك عني أنا رجل من مساكين الناس، فقال: إنك لغريب، وما يشبه لونك ألوان أهل هذه المدينة، فقال الغلام: ما أنا بغريب، فعالجه الملك أن يصدقه قصته فأبى، فأمر الملك أناسا أن يحرسوه وينظروا أين يأخذ، ولا يعلم بهم، ثم رجع الملك إلى أهله فقال: رأيت رجلا كأنه ابن ملك وماله حاجة فيما تراودونه عليه، فبعث إليه فقيل له: إن الملك يدعوك، فقال الغلام: وما أنا والملك يدعوني وما لي إليه حاجة وما يدري من أنا، فانطلق به على كره منه حتى دخل على الملك فأمر بكرسي فوضع له فجلس عليه ودعى الملك امرأته وابنته فأجلسهما من وراء الحجاب خلفه فقال له الملك: دعوتك لخير، وان لي ابنه قد رغبت فيك أريد أن أزوجها منك فان كنت مسكينا فأغنيناك ورفعناك وشرفناك، قال الغلام: ما لي فيما تدعوني إليه حاجه، فان شئت ضربت لك مثلا أيها الملك؟ قال: فافعل قال الغلام: زعموا أن ملكا من الملوك كان له ابن وكان لابنه أصدقاء صنعوا له طعاما ودعوه إليه فخرج معهم فأكلوا وشربوا حتى سكروا فناموا فاستيقظ ابن الملك في وسط الليل فذكر أهله فخرج عامدا إلى منزله، ولم يوقظ أحدا منهم فبينا هو في مسيره إذ بلغ منه الشراب فبصر بقبر على الطريق فظن أنه مدخل بينه فدخله فإذا هو بريح الموتى فحسب ذلك لما كان به السكر أنه رياح طيبة فإذا هو بعظام لا يحسبها إلا فرشه الممهدة، فإذا هو بجسد قد مات حديثا وقد أروح فحسبه أهله فقام إلى جانبه
(٦٥٩)